العودة إلى الله بالتوبة الصادقة (تأمل روحي للبابا شنودة)
العودة إلى الله بالتوبة الصادقة – قداسة البابا شنودة
وقف المصلى مرعوبا ومرتعبا أمام الديان العادل من أجل كثرة ذنوبه ثم قال: “توبي يا نفسي ما دمت في الأرض ساكنة لأن التراب في القبر لا يسبح ليس في الموتى من يذكر، ولا في الجحيم من يشكر بل انهضي من رقاد الكسل، وتضرعي إلى المخلص بالتوبة قائلة:
إلهي احمني وخلصني” حسن جداً أن يستيقظ الإنسان ويرجع إلى نفسه لأن كثيراً من الناس يقعون في غفلة، ولا يدرون ما هم فيه كإنسان يجرفه التيار، أو تلفه الدوامة، فلا يحسن بنفسه وكما قال أحد القديسين إن غالبية الخطايا، يسبقها إما الكسل أو التهاون أو الغفلة فيعيش الإنسان خارج نفسه ولذلك حسنا قيل في توبة الابن الضال إنه ” رجع إلى نفسه” (يو 15: 17)
هنا الإنسان – في توبته – يستيقظ وحبذا لو استيقظ مبكرا ويقول مع المزمور “أنا اضطجعت ونمت، ثم استيقظت، لأنك أنت معي” (مز 3) نعم طوبى للإنسان الذي يستيقظ مبكراً فلا يأخذه النوم مدة طويلة من الوقت يستيقظ ويقول” هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوبا ومرتعداً بسبب كثرة ذنوبي” وهنا يدرك أنه كما أن الله رحيم، هو أيضاً عادل، هو أيضاً ديان ويقول بولس الرسول “هوذا لطف الله وصرامته أما اللطف فلك إن ثبت في اللطف، وإلا فأنت ستقطع” (رو 11: 22)
إذن هناك أيضاً صرامة، يمكن أن تحكم بالقطع. البعض يشبه علاقة الله مع البشر بالمرآة قد تنظر إلى المرآة، فترى، فترى وجها مبتسماً وقد تنظر إليها فترى وجها متجهما والمرآة هي نفس المرآة ولكنها تعكس الوجه الناظر إليها وهكذا أنت في حالة البر، ترى وجه الله القدوس المحب للبر وفى حالة خطيتك ترى وجه الله القدوس المشمئز من الخطية مثل ملاك الفصح: الذي كان للبعض سبب هلاك، وللبعض سبب نجاة، يرى الدم فيعبر عنهم (12 -خروج) العودة إلى الله
البعض ينظر إلى الملائكة على أنهم رسل رحمة وحنو ولكنهم أحياناً يكونون رسل دينونة وإهلاك وموت ملاك القيامة كان للمريمتين سبب فرح وبالنسبة للجند الحراس، يقول الإنجيل “فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات” (مت 28: 4) إذن هناك وقت ينظر فيه الإنسان إلى الملاك فيتعزى، بينما ينظر إليه في وقت آخر فيخاف حسب حالة القلب من الداخل الملاك الذي أرسل لمعاقبة داود على خطيته، بسط يده على أورشليم لمعاقبتها وملاك ضرب من جيش سنحاريب 185) ألفا (2مل 19: 35) ملائكة آخرون كانوا للإنقاذ مثل الملاك الذي أنقذ بطرس من السجن (أع 12: 7، 8)
العودة إلى الله
كذلك الرب: في وقت تتكئ في حضنه مع يوحنا (يو 13: 25) وفي وقت آخر يقال “مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي ” (عب 10: 31 ومكتوب أيضاً في نفس هذا الإصحاح ” إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول دينونة مخيف، وغيره نار عتيدة أن تأكل المضادين ” (عب 1: 26، 27) أيحدث هذا في عصر النعمة؟ نعم، يتابع الرسول كلامه فيقول ” كم عقابا أشد، تظنون أنه يحسب مستحقا من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا، وازدرى بروح النعمة لي النقمة، أنا أجازي، يقول الرب” (عب 10: 29، 30)
نقول هذا، لئلا يظن البعض أن العقوبة كانت موجودة في العهد القديم أما العهد الجديد فكله حب، ولا عقوبة فيه!! على هؤلاء أن يقروا عن الويلات التي حدثت من أبواق الملائكة السبعة كما ذكرها سفر الرؤيا (رؤ 8: 9) وأيضا ليقرأ عن السبع جامات التي سكبها الملائكة السبعة على الأرض والبحر والهواء (رؤ 10) وما قيل في كل تلك الإصحاحات عن غضب الله كلام مخيف.
بالإضافة إلى عقوبات الله، وعقوبات الأبدية، هناك عذاب الضمير قد يحتمل الإنسان إهانات واحتقار الآخرين له ولكن من الصعب عليه أن يحتمل احتقاره لنفسه لقد ذكر الرب “البكاء وصرير الأسنان” في العذاب الأبدي (مت 13: 42) ولكن لا شك أنه يوجد على الأرض أيضاً، بكاء وصرير أسنان من الندم وتأنيب الضمير، وحسرة الخاطئ بسبب ما قد فعله، وهو يقول لنفسه: أين كان عقلي وقتداك، وأين كان ضميري؟!
إننا نقف أمام الديان العادل هنا على الأرض، وكذلك في السماء هنا نقف أمامه حينما ندخل في محاسبة النفس، وننسى لذة الخطية ومتعة العالم والجسد والمادة، بل نرتعب من تذكار ذنوبنا ونلوم أنفسنا ونبكتها وسعيد هو الإنسان الذي يبكت نفسه هنا، وتحمى بالتوبة خطاياه، قبل أن يقف في اليوم الأخير مرعوبا ومرتعداً وقد صدق القديس مكاريوس الكبير حينما قال “احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك ” وفي تبكيت الإنسان لنفسه يقول له”
توبي ما دمت في الأرض ساكنة “توبي، لأنه توجد الآن فرصة للتوبة وللمغفرة قبل أن تسمعي صوت الرب القائل ” أعطيتها زمانا لكي تتوب ولم تتب” (رؤ 2: 21)صدق الذي قال: الذين في الجحيم يشتهون دقيقة واحدة من عمر الأرض يقدمون فيها توبة ولكن فاتت الفرصة، وضاعت فترة التوبة. العودة إلى الله بالتوبة الصادقة – قداسة البابا شنودة
مهما صرخوا وقالوا: يا ربنا يا ربنا، افتح لنا “(مت 25: 11) فيجيبهم ” اذهبوا عني يا فاعلي الإثم ” (مت 7: 23) ” الحق أقول لكم إني لم أعرفكم قط” (مت 25: 12) (مت 7: 23).
إذن توبي يا نفسي، ما دمت في الأرض ساكنة مادام باب التوبة لا يزال حتى الآن مفتوحاً ن قبل أن يغلق بعد الموت إن القديس مارا فرام يقول “الويل للمتوان الذي سيطلب الزمان الذي أضاعه عبثا اجتهد في هذه الساعة الحادية عشرة قبل أن ينتهي النهار فأغنم يومك هذا، قبل أن ينطلق، قبل أن يهرب منك” إن اليوم الذي يضيع من حياتك، لا تستطيع أن تسترجعه قد تحزن عليه، وقد تقدم عنه توبة ولكنك لا تستطيع أن تستريجه لقد انتهى فحاول أن تعمل إذن لأبديتك في هذا اليوم الذي تعيشه قبل أن يفلت منك، ويصبح أمساً لا عودة له أتذكر نني قلت مرة:
ما حياتي غير أمس ضائع. كلها أمس إذا طال الأمد إن يومي هو أمس في غد. وغدى يصبح أمسا بعد غد. أخشى أن كثيراً من الأبرار فينا: يقضون نصف العمر في الخطايا، والنصف الآخر في البكاء عليها!! أو يقضون النهار في ارتكاب الخطايا، والليل في البكاء عليها أما المحزن حقا، فهو أن يقضى الناس وقتهم في ارتكاب الخطايا، ولا يجدون وقتا للبكاء عليها! وقد لا يجدون وقتا للندم على خطاياهم، ومن انشغالهم بعد ذلك في ارتكاب خطايا أخرى!! وأنت،
تراك من أي نوع؟ هل من النوع الذي يبكي على خطاياه في صلاة النوم؟ ليتك تبكت ذاتك في صلاة النوم، كل يوم. هناك إنسان لا يبكت نفسه على خطاياه، لأنه بار في عيني نفسه! لا يعرف لنفسه خطية يبكت ذاته عليها!! يقول ماذا فعلت؟! غالبا مثل هذا الإنسان مقاييسه الروحية غير سليمة،
ومحاسبته لنفسه غير دقيقة، أو هو من النوع الذي يجامل نفسه، ويعذرها ويبررها في كل ما تفعله أما أنت فلا تكن هكذا وعليك أن تحيا حياة التدقيق، وتبكت نفسك على كل عمل خاطئ، وكل فكر منحرف، وكل كلمة بطالة، وكل شهوة لا تليق. العودة إلى الله
اذكر كيف كان داود النبي في كل ليلة يبلل فراشه بدموعه (مز 6)
وكرر تلك العبارة التي نقولها في الخدمة الثانية من صلاة نصف الليل: “أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة وبعض الرهبان يصلونها هكذا: ” أعطني يا رب توبة نقية، أعطني يا رب غفران خطية، أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة سخية، كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة ” والبعض يلي هذه الصلاة يتفاصل كثيرة فيقول ” أعطني يا رب ينابيع دموع كثيرة لأبكى على كذا” ويظل يسرد تفاصيل خطاياه وتقصيراته طالبا ًعن كل منها ينابيع دموع كثيرة.
ولكننا يا إخوتي، نريد أن ندلل أنفسنا، ونقول لماذا نحزن ذواتنا بذكر خطايانا ونفضل أن نقضي ليالينا في متعة!! بينما يقول مار اسحق “الليل مفرز لعمل الصلاة ” ويقول المرتل في المزمور ” في الليالي ارفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا الرب ” (مز 134) أين هي ليالينا المقدسة التي نقضيها في الصلاة والتأمل والتوبة، ونقول فيها ” توبي يا نفسي ما دمت في الأرض ساكنة” إن كنتي لن تتوبي في القديم، فتوبي الآن، ولو مع أصحاب الساعة الحادية عشرة، ولو في آخر ساعات الحياة كما فعل اللص اليمين فالوقت وقت مقبول (2 كو 6: 2).
اطلب التوبة قبل أن يطلبك الموت إن كانت قد ضاعت منك ساعات النهار، وعطلتك مشاغل كثيرة، فلا تدع ساعات الليل تضيع منك استغل بعضا منها في الصلح مع الله اطلب التوبة قبل أن يستغل الشيطان تهاونك ويقيدك أكثر فأكثر واعرف أن الإنسان الذي يؤجل التوبة، إنما يعطى فرصة للخطية لكي تتعمق في حياته فتتحول العثرة إلى سقطة، والسقطة إلى عادة، ثم إلى طبع!
لا تؤجل التوبة لأنك لا تضمن أن تستمر زيارة النعمة التي معك ألان لا تضمن رغبتك الحالية في التوبة هل ستبقى أم ستفنى؟ ولا تضمن بقاء الفرص التي قدمها لك الله كذلك أنت لا تدري ما يقدمه لك عدو الخير من الحروب، إن رأى تهاوناً منك في التوبة تذكر أن فليكس الوالي لما ارتعد من حديث القديس بولس عن البرو الدينونة والتعفف، ولم ينتهز الفرصة للتوبة، بل قال للرسول القديس “اذهب الآن ومتى حصلت على وقت استدعيك” (أع 24: 25)، لم يقل الكتاب إنه حصل على وقت!! العودة إلى الله
كذلك لما تأثر أغريباس الملك، وقال للقديس بولس “بقليل تقنعني أن أصير مسيحيا ” (أع 26:28) ولم يستغل أغريباس الفرصة، ضاعت منه فلا تقل إذن لزيارة النعمة: اذهب الآن إلى أن يحصل له وقت لا تكن مثل فيلكس واغريباس ولا تكن مثل النبات الذي طلع قليلا ثم خنقه الشوك، ولا مثل البذار التي التقطها الطير (مت 13: 4، 7) ولا تكن مثل العذارى الجاهلات اللائي ذهبن متأخرات لشراء الزيت (مت 25: 10).
يكفي الزمان الذي مضى فلا تزد عدد خطاياك من الجائز أن يجلس إنسان على نفسه ليحاسبها، فيرى أنه ارتكب عدداً من الخطايا: لو وزعت على أهل العالم كله، لصبح كل منهم خاطئا! ولو وزعت أفكاره الشريرة عليهم لتنجس الكل!!
لا تقل أنا صغير، وحينما أكبر سأتوب وربما حينما تكبر، تصبح التوبة صعبة عليك، من فرط تعودك عليها وارتباطك بها وجريانها في دمك كما أن توبة الشيخوخة قد تكون رخيصة لذلك قال الكتاب ” اذكر خالقك في أيام شبابك” (جا 12: 1) ويكون جسدك قد ضعف، ولست أنت الذي انتصرت عليه لا تقل مثالي هو اللص اليمين! لا تضمن، فقد يكون مصيرك كاللص الآخر الذي كان وهو في ساعات الموت يجدف على المسيح (لو 23: 39 – 41). العودة إلى الله
عندما تقول توبي يا نفسي، حول ذلك إلى توبة عملية لا تجعلها مجرد فكرة أو رغبة فالابن الضال عندما قال “أقوم الآن وأذهب إلى أبى” قام مباشرة وذهب إلى أبيه (لو 15: 18، 20) يقول المصلى لنفسه: توبي قبل الموت لماذا؟ لأن التراب في القبر لا يسبح ليس في الموت من يذكر، ولا في الجحيم من يشكر بهذه الآية يمكن الرد على المشتغلين بعلم الأرواح الذين ينادون بأنه توجد توبة بعد الموت!!
نرد أيضاً بقول الكتاب في مثل العذارى “وأغلق الباب ” (مت 25: 10) ويقول السيد المسيح لليهود غير المؤمنين به ” تموتون في خطاياكم وحيث أمضى ألا تقدرون أنتم أن تأتوا ” (يو 18: 21) وأيضا قول أبينا إبراهيم لغنى لعازر “بيننا وبينكم هوة عظيمة قد أثبتت حتى الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون ولا الذين من هناك يجتازون إلينا” (لو 26: 16).
لذلك ينبغي التوبة من الآن ونحن في الجسد، وفي العالم المادي ننتصر على الجسد قبل أن نخلعه حتى إذا ما خلعناه بالموت نخلع جسداً تائبا متذكرين قول الرسول “لأنه لا بد أننا جميعا، نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيراً أم شراً (2” كو 5: 10)
العودة إلى الله من كلمات البابا شنودة
المزيد من التأملات الروحية
- المعاناة والألم طريق يوصل إلى السماء!
- نور الأنوار المقدس يضيء قلوب المؤمنين
- العودة إلى الله بالتوبة الصادقة
- كثيرة هي بلايا الصديق ومن جميعها ينجيه الرب
هل أنت من المتذمرين أو الشاكرين؟