تذكار القديس سمعان العمودي

4.4
(31)

تذكار القديس سمعان العمودي – كتاب النور

حياة القديس سمعان العمودي

ولد القديس سمعان حوالي سنة 386 م في بلدة سيس القريبة من بيقوبوليس (قرب أضنة، تركيا حالياً) وقد أخذ عن والديه الريفيين الميسورين رعاية المواشي وهو فتى صغير. وفي يوم قارس البرد وكثير الثلج لزم القطيع فيه الحظيرة ذهب مع والديه إلى الكنيسة حيث استمع إلى الكاهن يردد التطويبات التي أطلقها الفادي عظة الجبل:

  • طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض
  • طـوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون
  • طوبى للمحزونين فإنهم يعزون
  • طـوبى للرحماء فإنهم يرحمون
  • طوبى لأنقياء القلوب فإنهم يعاينون الله
  • طـوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يدعون

اجتذبت كلمات المعلم الإلهي فتانا سمعان وتاقت نفسه إلى الصفاء الروحي ومال إلى الحياة النسكية فانضم إلى جماعة من النساك، قرب سيس، فبقي معهم مدة سنتين لكن نفسه تاقت بعدها إلى حياة أكمل فانتقل إلى منطقة دير تلعادة الكبير جنوب سفح جبل الشيخ بركات ولجأ إلى دير برج السبع القريب إلى الغرب الذي كان أسسه أوسيبوناس وحبيبيون تلميذا مار سابا العظيم وكان يرأسه هليدوروس ويضم ثمانين راهبا.

أمضى القديس سمعان في هذا الدير عشر سنوات قضاها في الصلاة والتقشف. كان يتناول الطعام مر واحدة في الأسبوع، وشد مرة حبلاً خشناً على جسده للإمعان في التقشف، فأدى إلى نزف دمه ولم يقبل بمعالجة الجرح فطلب منه مغادرة الدير كي لا يتسبب خراب من كانت بنيته ضعيفة من الرهبان في حال مجاراته عمله.

في العام 412 م لجأ القديس سمعان إلى بلدة تلانيسوس (قرية دير سمعان حالياً) الواقعة على السفح الجنوبي الغربي للجبل الذي أقام فيه في ما بعد بقية حياته، فعاش في هذه البلدة ثلاث سنوات في مجتمع رهباني صغير أسسه مارس بن برعطون.

أقام سمعان في صومعة وصام الصوم الأربعيني دون أن يأكل أو يشرب شيئاً رغم وجود عشرة أرغفة من الخبز وجرة ماء قربه وقد أصبح صوم الأربعين دون أكل أو شرب عادة لدى القديس سمعان رافقته حتى آخر حياته على العامود.

تذكار القديس سمعان العمودي
تذكار القديس سمعان العمودي

غادر القديس سمعان تلانيسوس وارتقى قمة الجبل المجاور حيث أقام ضمن سياج صغير على شكل دائرة في أرض تعود إلى الأب داوود من تلانيسوس وربط نفسه بسلسة طولها عشرون ذراعاً لتحد من حركته وتكون قيدً لجسده. إلا أنه اقتنع بعد تنبيه أحد أساقفة أنطاكية له واسمه ملاتيوس. بقطع السلسلة بحيث تكفيه رقابة ضميره قيداً لجسده. وقد خلف مكانً تثبيت السلسلة على فخذه قروحاً تختبئ فيها البراغيث وهو يحتمل قرصها بشجاعة لمجد الله.

ذاعت طريقة حياته والعجائب التي كان يصنعها الله على يديه، فاقبل الناس عليه بكثرة، منهم المرضى لينعموا بالشفاء ،ومنهم العواقر ليرزقهن الله أولاداً وغيرهم ليمدهم بالنصح والرشاد لحل مشاكلهم المستعصية.

وكان الناس يقصدونه من كل حدب وصوب على مختلف جنسياتهم، من الفرس والأرمن والعرب ومن أقصى الغرب من اسبانيا وانكلترا وبلاد الغال… وبغية تجنب مضايقة الزوار العديدين انتصب سمعان على عامود أقيم له بارتفاع ذراعين بحسب قول \” الحياة السريانية \” وبارتفاع ستة أذرع بحسب رأي تيودوره أسقف قورش. وأخذ العامود يزداد ارتفاعاً، بازدياد حجم أعداد الجمهور الجموع التي كانت تقصد القديس حتى وصل ارتفاعه إلى 40 ذراعاً بحسب النص السرياني و36 ذراعاً بحسب قول الأسقف تيودورة.

 

أمضى القديس سمعان على العامود اثنين و أربعين عاماً 

نعرف ذلك من الاسقف تيودورة الذي ذكر في \” التاريخ الكنائسي \” الذي كتبه في العام 444 م وأورد فيه سيرة نساك المنطقة ، انه يرى القديس سمعان عل عاموده للمرة الثامنة والعشرين. وبما أن القديس توفي في العام 459 م فهذا يعني أنه بقي على عاموده مدة 42 عاماً.

كان القديس سمعان صاحب رسالة وخطيباً، يعظ مرتين في اليوم ويوزع نصائحه على قاصديه ومن حوله. يحل خلافات المتخاصمين ويرشد الوثنيين منهم إلى الدين المسيحي. كانت حياته مثالاً نموذجياً لحياة الناسك السوري الذي كان يعرف كيف يوفق بين الانعزال والنظام القاسي لنكران الذات والمشاركة المباشرة مع مظاهر الحياة المدنية والدينية بالاحتكاك اليومي مع الجماهير.

ويذكر الأسقف تيودوره مجيء زوار حتى من رافينا في ايطاليا. وكان يحج  إلى العامود وسكانه وفود الرهبان والرسميون وكبار رجال الكنيسة والدولة القادمون لزيارة أنطاكية وحضور الاجتماعات الدينية فيها، كمجيء الراهب دانيال الذي أصبح في ما بعد ومن المتحمسين للقديس سمعان. لقد زاره بعد حضور اجتماع ديني في انطاكية مع مجموعة من الآباء برتبة ارشمندريت.

وقد ساهمت العلاقات التجارية بين انطاكية والعالم الروماني في اذاعة شهرة القديس سمعان العامودي وكانت صورته معروضة في محترفات الفنانين في روما، كما يذكر أنه كان يرسل تحياته إلى القديسة جنفياف شفيعة باريس ( قرية ليتسيا lutetia آنئذٍ ) مع التجار الغاليين الذين كانوا يزورونه ويعلمونه عن قداستها وأخبارها. ومن عجائب القديس سمعان التي يذكرها الأسقف تيودوره، شفاء أحد الأمراء القادمين إليه من الرقة وكان مصابا ً بالفالج.

كما استجاب دعاء أحدى أمهات الاسماعيليين فأصبحي أماً بعد أن كانت عاقراً . وكان أهل فارس يدعونه \” الرجل الآلي \” وكانت قوة احتماله للوقوف والسجود فوق عاموده في أثناء صلاته عجائبية. فقد عدَّ أحد مرافقي الأسقف تيودوره  1244 ألف ومائتي وأربع وأربعين سجدة ثم ضجر وتوقف عن العد.

وكان في سجوده ينحني فتصل جبهته حتى إصبع رجليه . ذلك أن معدته التي لايصل إليها الطعام سوى مرة واحدة في الأسبوع وبكمية ضئيلة كانت تسهل انحناء ظهره . وكان يبقى بعد غياب الشمس وحتى شروقها في الأفق واقفاً الليل كله رافعاً يديه نحو السماء دون أن يميل إلى النعاس أو يغلبه التعب.

توفي القديس سمعان في 24 تموز 459 وسجي جثمانه قرب أسفل العامود في تابوت من الرصاص . وجاء في سرد العامودي دانيال أنه لم يكن هناك على الهضبة التي انتصب عليها العامودي أي بناء ، بينما ذكرت رواية أنطون تلميذ سمعان والشاهد العيان لأيامه الأخيرة إن مكان العامود كان محاطاً بسياج فيه باب.

جاء مرتيريوس بطريرك أنطاكية مع حاشية كبيرة لنقل جثمان القديس العظيم إلى العاصمة أنطاكية فلقي مقاومة وممانعة من رهبان تلانيسوس وسكن المنطقة. جاء مرة ثانية وبرفقته 600 جندي بإمرة القائد الارمني اردبو وأخذوا التابوت وحملوه وساروا به على الأقدام حتى قرية شيخ الدير قرب الغزاوية ، ومن هناك وضع في عربة توجهت إلى أنطاكية حيث كانت الجموع تنتظر وصول الجثمان وهي تحمل الشموع في أيديها.

وضع الجثمان مدة شهر في كنيسة كاسيانوس ثم نقل إلى كنيسة قسطنطين الكبير . ويعتقد أن سبب نقل الجثمان إلى أنطاكية هو لحمايتها من كوارث الزلازل التي كانت تتعرض لها أنطاكية حيناً بعد آخر . ولم يمنع نقل جثمان القديس سمعان إلى أنطاكية الناس من الحج إلى مكان العامود في جبل سمعان.

في العام 460 م اعتلى دانيال، الذي قلد القديس سمعان بالتنسك ، أعلى عامود في الضفة الغربية للبوسفور قرب القسطنطينية ، قرب مكان عامود دانيال . وبهذا تم نقل رفات القديس سمعان إليه من انطاكية، إذ بني المدفن بين 471 و474 م . ولاتذكر سيرة \” الحياة السريانية \” المكتوبة في 472/473 م إقامة أي بناء في مكان عامود القديس سمعان.

قبل الانتقال إلى وصف الكنيسة التي حول العامود الذي أقام عليه القديس سمعان معظم أيام حياته يبشر ويصلي ويعظ الناس بالخير ويدعو إلى السلام والمحبة ، لنتوقف قليلاً عند وصف العامود الذي كان أداة استشهاد الناسك العامودي وكأنه صليب المسيح.

كان القديس سمعان رائداً بين النساك العاموديين الذين اقتدوا به ، فكانوا بذلك يبتعدون عن الحياة الدنيوية ويقتربون أكثر من السماء والله تعالى بالصلاة .كانوا ينيرون من حولهم كالشعلة ،وكان العامود غالباً مايقام قريباً من طريق عامة أو من تجمع سكاني.

أما عامود القديس سمعان فكان قطره 1.10م وقد زاد ارتفاعه حتى 16 أو 18 متراً. وكان هناك أعلى العامود ألواح خشبية تستند عليه . لها جوانب كالدرابزون وهي بأبعاد أما مربع طول ضلعه 2 م أو مسدس أو دائري بحيث تشكل شرفة تشبه شرفة المئذنة مساحتها حوالي 4 م2  يقيم فيها الناسك العامودي وتمكنه من الوقوف والسجود والنوم ، وهي عادة مثبتة بجسم العامود بواسطة زوايا تثبت بمسامير معدنية.

وكان من مستلزمات العامود وجود السلم للصعود إلى الناسك من أجل طلب النصيحة الفردية.

ولما كان من العار على العامودي أن ينزل من عاموده قبل وفاته أو بأمر من السلطات الدينية العليا فان الناحية الصحية كانت متوفرة ، إذ كان هناك دورة مياه (مرحاض) علوية ترتبط عن طريق أنبوب من الفخار في حفرة فنية (جورة) قريبة من قاعدة العامود . وقد شوهد ذلك في أكثر من موقع عامود ناسك كما في عامود كفر دريان وعامود كيمار وسواهما . كما كان هناك غطاء كالمظلة من سعف النحل لحماية القديس سمعان من حرارة الشمس والمطر ، وقد أزاله في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته.

 

كنيسة القديس سمعان العمودي

أقيمت الكنيسة حول العامود الذي قضى عليه القديس معظم حياته. وكانت على شكل صليب مؤلفة من أربعة أجنحة متعامدة فيما بينها ما عدا الجناح الشرقي الذي كان يميل مع الحنية 6 درجات أي 43.2 م منحرفاً نحو الشمال. وقد ارتبطت الأجنحة مع بعضها حول العامود بواسطة شكل مثمن قطره 28 م كانت تعلوه قبة خشبية عظيمة وكان يغطي كل جناح سقف خشبي مائل يستند على الجدران بجملونات، وربما أخذت فكرة الصليب من المدافن ذات الدهاليز الأربعة.

وتعتبر كنيسة سمعان جوهرة كنائس \” المدن المنسية \” ومن أجمل روائع الفن المسيحي ومن أعظم وأضخم الكنائس التي بنيت في العالم، قبل كنيسة آيا صوفيا \”الحكمة المقدسة\” التي بناها جوسنتيان في القسطنطينية عام 537 م، فظلت فريدة بعظمتها وضخامتها حتى القرون الوسطى حيث بني كنائس أضخم منها على الطراز القوطي في أوروبا.

كان كل جناح بحد ذاته عبارة عن كنيسة ذات بهو رئيسي وبهوين جانبيين يفصل بينهما صفان من الأعمدة والأقواس البديعة العالية، بينما بنيت الحنية في الجناح الشرقي حيث أقيم الهيكل فيها كما أقيمت في شماله غرفة الخدمة \”الدياكونيكون\” وغرفة الشهادة \”المرتيريون\” في الجنوب وهما على شكل نصف دائري. ومما يذكر أن هاتين الغرفتين تكونان عادة في جميع الكنائس على شكل مربع أو مستطيل.

كانت جموع الحجاج تصعد من قرية تلانيسوس سالكة الطريق المقدسة مارة تحت قوس النصر وهي تنشد التراتيل الدينية تطوف حول العامود ثم كنيسة القديس مالئة أجنحة الكنيسة وهي تستمع إلى الصلوات المنطلقة من الجناح الشرقي الذي يقام فيه القداس أيام الآحاد والأعياد.

وأقيم في الجنوب الشرقي من حنية الكنيسة الرئيسية كنيسة صغيرة للرهبان ولتأدية الفروض والصلوات اليومية كما أقيم في جنوبها دير الرهبان بطبقتين. لقد بلغت المساحة التي شغلتها الكنيسة الرئيسية وحدها 5000م2 بلغت مساحة الدير مع باحته والمقبرة 5000م2   بينما شغلت كنيسة المعمودية مع ملحقاتها في الجنوب مساحة 2000م2 ، مجموع مساحة البناء الكلي 12000م2. أما طول الكنيسة من الشرق إلى الغرب بما في ذلك المثمن الوسط فهو 100م. ومن الشمال إلى الجنوب 88 م وعرض كل جناح 24 م.

 

وصف المثمن حول العامود

قامت وسط مثمن الكنيسة قاعدة العامود المربعة يعلوها ما تبقى من عامود القديس، وهو قطعة من الحجر ارتفاعها حوالي المترين وقطرها حوالي 1.15م وهي كل ما تبقى من العامود الذي كان ارتفاعه حوالي 18 م، وقد تآكلت أطرافه بسبب تهافت الحجاج على أخذ ذخائر من عامود القديس سمعان للتبارك بها محملها تذكاراً إلى بلادهم. أما المثمن الأوسط فقد أتصل مع كل جناح من أجنحة الكنيسة المصلبة الشكل، بقوس عال متقن البناء يستند على عامودين ينتهيان بتاجين كورنثيين.

وكان هناك أربعة أقواس فرعية أخرى وبنفس الارتفاع تشكل المثمن الرائع وأظفاره التي كانت تستند عليها ألواح القبة الخشبية وقد ازدانت بزخرفة صلبان مختلفة. وبهذا كان المثمن منفذاً بحيث يتمكن جميع المؤمنين الموجودين في أبعد نقطة من الأجنحة الأربعة للكنيسة من مشاهدة العامود المنتصب وسطه. وهذه الوحدة في الفراغ بين المثمن وابهاء أجنحة الكنيسة أكملتها وحدة القياسات والأبعاد، إذ كانت عروض ابهاء الكنيسة مماثلة لطول ضلع المثمن وأطوالها مماثلة لقطره.

بالإضافة إلى أن زخرفة المثمن استلهمت من زخارف وركائز وأعمدة ابهاء الكنيسة وبخاصة في تيجان الأعمدة من حيث النقوش والتركيب ونسب الأبعاد. وكان ان اجتماع لأول مرة في هذا المسطح لمكان الشهادة (المرتيريون) للقديس سمعان العامودي المثمن حول العامود وشكل الصليب في الكنيسة وكان شكلاً متجانساً رغم طول أبعاد أطرافه.

لقد تعرضت البلاد إلى هزات أرضية في العامين 526 و 528 م هدمت معظم أبنية انطاكية وربما سببت أضراراً كبيرة في كنيسة سمعان وبخاصة في المثمن الأكثر تأثراً بالزلازل مما جعله يفقد قبته ويبقى مكان العامود مكشوفاً للسماء دون غطاء كما وصفه لنا إفاغريوس الانطاكي حين مروره بالكنيسة في 560 م.

أما أرضية المثمن الحالية فهي عبارة عن بلاطات غطت الأرضية الصخرية حول قاعد العامود، ويعود بنائها إلى القرن العاشر للميلاد. وقد قام الباحث الألماني كرنكر بتحريات وتنقيبات في خريف العام 1938 في المثمن والجناح الشرقي للكنيسة وهو الذي أعاد ذلك الجزء المتبقي من العامود إلى مكانه فوق المصطبة المربعة.

 

أجنحة الكنيسة حول المثمن

لقد تألف كل جناح من الأجنحة الأربعة حول المثمن من كنيسة ذات ثلاثة ابهاء على نمط الكنائس البازليك المعروفة في القرن الخامس في المنطقة . أما الجناح الغربي المنحدر والمطل على وادي عفرين فقد استند بأبهائه الثلاثة على ثلاثة أقواس قامت فوق ركائز وكأنها شرفة تطل من الأعلى على الوادي البعيد وقد قامت الأعمدة وأقواس تفصل بين الأبهاء الثلاثة في الكنيسة، لم يبقَ من هذه الأعمدة سوى قواعدها وبعض تيجانها.

وتشاهد من هذا الجناح بقايا أديرة بلدة تلانيسوس المتناثرة بين دور قرية دير سمعان الحديثة . أما الجناح الشمالي للكنيسة فقد حفظت جدرانه الخارجية بشكل جيد وقد ضم جداره الشرقي تجويفاً حوى ثلاثة أضرحة ضخمة من القرن العاشر ربما لمحسنين أو لرجال دين عملوا خيراً للكنيسة ودفنوا فيها ليصلى من أجل راحة نفوسهم مع كل صلاة تقام في الكنيسة.

أما الجناح الجنوبي ، وهو يمثل الجنحة الأخرى في مخططه ،إلا أنه يمتاز بواجهته البديعة بأبوابها ومقدمة مدخلها (نارتكس) وأعمدتها وتيجان أعمدتها الكورنثية التي تميل أوراق الأكانت (الخرشوف) فيها مع الريح مرة إلى اليمين في أحد الأعمدة ومرة إلى اليسار في عامود آخر، بالإضافة إلى وجود أقواس تفريغ الحمولة أعلى سواكف الأبواب. وقد جرى ترميم بعض أجزاء من عناصر الواجهة من قبل تشالنكو وزملائه من العاملين في آثار حلب بدءاً من الثلاثينات وحتى الستينات، ومن بينهم المهندس جورج قلمكاريان وتشاهد الأحجار المصفوفة في البهوين الجانبيين ومن بينها حجر حوى نقش الصليب بشكل حرفين XوP وهما الحرفان الأولان من أسم السيد المسيح \”خريستوس\” باليونانية مع حرفي الألفا والاوميغا  أول حرف وآخر حرف من الأبجدية اليونانية.

وهذا تعبير أستعمله القجيس يوحنا، كاتب الرؤيا، عن السيد المسيح \”أنا البداية والنهاية\”. ومما يؤكد أن الكنيسة هي كنيسة حج إلى مكان عامود القديس سمعان العامودي وجود بابين للبهو الأوسط خلف مقدمة بناء الواجهة الجنوبية (النارتكس) المؤلفة من ثلاثة أقواس عظيمة، كان يستعمل أحد البابين للدخول والآخر للخروج لتنظيم مرور الحجاج العديدين.

أما الجناح الشرقي الذي ينتهي بثلاث حنيات نصف دائرية، فإن الهيكل يقوم في الحنية الوسطى ويتألف بدوره من ثلاثة أبهاء كانت تفصل بينها أقواس تستند على أعمدة وعددها في الجناح الشرقي تسعة، بينما هي في الأجنحة الأخرى سبعة أعمدة فقط . والبعد بين كل عامودين 5.3 م. لذا كان هذا الجناح الشرقي حيث تقام الصلوات أيام الآحاد والأعياد أطول من الأجنحة الأخرى. وقد قام كرنكر كما ذكرنا بالكشف عن أرضية كامل الجناح في 1938 بالإضافة إلى أرضية المثمن سطرين مكتوبين بأحجار الفسيفساء البيض والسود فأماط اللثام عن وجود زخارف مرمرية والكتابتين باليونانية والسريانية الدالتين على ترميم تم في القرن العاشر.

كما قام تشالنكو بتغطية الكتابتين تمهيداً لنقلهما إلى أحد المتاحف، إلا أنهما لا زالتا في مكانهما وسط البهو الأوسط مغطاتين بالبيتون الاسمنتي. وتمتد الكتابة على كامل عرض البهو الأوسط في الأرضية المرمرية القديمة وهي عبارة عن سطرين مكتوبين بأحجار الفسيفساء البيض والسود وبأحرف ارتفاعها 12 سم مع كتابة سريانية كذلك وتملأ الكتابة سطرين وفراغاً بطول 7.84 م وارتفاع 31 سم وقد خربت بعض مقاطع من الكتابة بالكامل.

أما النص السرياني فيذكر: \” بني جدار هذا الدير وبابه وزينته أيام تيودوروس …. الأب سنة 1290 \” (بحسب التقويم السلوقي ويوافق 979 م). ويقول النص اليوناني: \” أسس هذا الدير وجدد مع كنيسته من قبل تيودوروس تحت البطاركة….. وبازيليوس وقسطنطينوس القيصر الأب سنة 979 للميلاد \”. أي أن الكتابة اليونانية تذكر بناء جديداً وتجديداً للكنيسة بينما يذكر النص السرياني بناء جدار ربما كان جدار التحصين الأخير وباب واجهة الكنيسة الجنوبية، وكلاهما تم في 979 م أي قبل فترة من تدمير الدير الذي جرى في 985 م على يد سعد الدولة بن سيف الدولة الحمداني.

ويعلمنا كرنكر بوجود تنقيبات سابقة جرت في العام 1902 على يد بعثة روسية، كشفت قرب درجات الهيكل، وسط الكنيسة الشرقية عن قطعة فسيفساء جميلة على شكل نجمة عرضها أوسبنسكي في نشرة معهد الآثار الروسي في القسطنطينية.

ويبدو من الثقوب الموجودة في أحجار جدران الكنيسة الشرقية أنها كانت مغطاة بألواح مرمرية. وقد تم مؤخراًَ ترميم الحنية والجدار الشمالي للكنيسة الشرقية. ويظهر واضحاً انحراف جناح الكنيسة الشرقي نحو الشمال لدى النظر باستقامة بين عامودين شماليين من المثمن من الجهة الغربية وباتجاه حنية الكنيسة الشرقية.

وتمتاز الحنية الوسطى بخطوط مزخرفة وقوسها الكبير ووجود ست نوافذ على صف واحد سفلي  للإنارة ، ونافذة منفردة في صف علوي. أما الواجهة الخلفية لحنية الكنيسة الشرقية الرئيسية فقد ازدادت بوجود الأعمدة الناعمة بين النوافذ، كل عامودين أنيقين يتوضع أحدهما فوق الآخر بشكل جميل. وقد قام أفريز علوي من الأحجار الضخمة المنحوتة على شكل أصداف أو صنوبر، تزين أعلى الحنية، طول الواحدة 70ر1 م. لا زالت الأحجار التي سقطت من هذا الأفريز تنتظر اليد الحانية لترفعها إلى مكانها السابق ، وهيا الآن مصفوفة ومرقمة من أيام تشالنكو . ويجدر بالذكر أن عدد أبواب هذه الكنيسة المصلبة هو 27 باباً يدخل منها إلى أجنحة الكنيسة الأربعة من خارجها.

 

دير كنيسة سمعان

يشكل الدير الملحق بالكنيسة مع الجناح الشرقي والجنوبي باحة مستطيلة ويتألف من بناء ذي طبقة أرضية وطبقتين علويتين فوقها. يتقدم واجهته رواق ذو أعمدة ما عدا الواجهة الشرقية. خصص جزء من الطبقة الأرضية اصطبلاً لإيواء الحيوانات وقد أضيفت إليه بعض الجدران الفاصلة في القرون الوسطى، وكانت إقامة الرهبان فيه في الجهة الشرقية منه. أما في قسمه الجنوبي فتوجد ملحقات الدير الاقتصادية.

هذا وقد قامت إلى الجنوب الشرقي لجناح الكنيسة كنيسة الدير التي كانت تستعمل لصلوات الرهبان اليومية، كما ذكرنا، وهي أيضاً من طراز البازليك المؤلف من بهو رئيسي في الوسط، وبهوين جانبيين يفصل بينهما أقواس وأعمدة. أما الحنية فهي باتجاه الشرق دائماً وإلى كل من جانبيها غرفة مستطيلة للخدمة في الشمال ولحفظ ذخائر الشهداء أو القديسين في الجنوب. وقد ارتمى في الزاوية الجنوبية الغربية من الكنيسة حجر كبير بديع الزخرفة، ربما كان غطاء جرن المعمودية المستعمل لعماد الأطفال، والقائم مع سوية الأرض شرق البهو الشمالي لنفس الكنيسة.

في الباحة الفاصلة بين الدير والكنيسة الكبرى ، وفي طرفها الغربي تقوم منصة صخرية كأنها أعدت للخطابة. بينما قامت خارج الواجهة الغربية لكنيسة الدير أحواض صخرية لعلها كان تستعمل معاصر لصناعة الخمور أو زيت الزيتون. وجدير بالذكر أنه لم يكن هناك أي بناء في الجبل عندما كان القديس سمعن على عاموده ، بيمنا تذكر إحدى الروايات أن جمهور الحجاج الذي كان يزور القديس سمعان وهو على عاموده لجأ إلى الدير القريب أثر هطول المطر الفجائي على الحاضرين. 

 

مقبرة الرهبان

تقع إلى الشمال من الكنيسة الكبرى قرب السور الشمالي مقبرة محفورة في صخرة واحدة تضم في كل من جدارها الشمالي والجنوبي ثلاثة قبور وفي الجدار الشرقي قبرين فيكون المجموع ثمانية قبور. وقد حفرت تحت أرض هذه المقبرة (خشخاشة) وهي عبارة على شكل قبو، حفرت بكاملها في نفس الصخرة الواحدة بغية وضع عظام المتوفين القدامى فيها. وهناك قبر تاسع خارج مدفن الرهبان محفور في الجدار الشمالي الذي يشكل جزءاً من السور.

 

كنيسة المعمودية للبالغين

على أثر انتشار الديانة المسيحية وإقبال الناس على الدخول فيها بكثرة بالغة ، كان لابد من أقامة مبنى خاص لتعميد البالغين والكبار من الناس .لذلك أقيمت كنيسة المعمودية هذه على بعد 300 متر تقريباً الى الجنوب من الواجهة الجنوبية لكنيسة القديس سمعان وعلى ذات المحور الممتد شمال جنوب.

يتألف هذا الصرح من مبنى مربع أقيم في وسطه مثمن صغير في جهته الشرقية حنية حفر في أسفلها حفرة مستطيلة ومكسوة بالقرميد الأحمر، عمقها 80 سم تقريباً، مزودة بدرجتين أحدهما من الشمال والآخر من الجنوب ، ليتمكن الشخص الموعوظ (طالب العماد) من النزول فيها من إحدى جهتيها، والخروج من الجهة المقابلة، بعد أن ينال العماد المقدس عن يد أحد الكهنة أو الأساقفة ليصبح مسيحياً.

في أرضية هذا البناء توجد قناة حجرية تسيل منها المياه، ربما، الى جرن المعمودية في أثناء إقامة الرتبة. يحيط بهذا المثمن رواق لإقامة التواطف الطقسي بعد الانتهاء من رتبة العماد. ثم يتوجه المؤمنون الى الكنيسة المشيدة في جنوب المثمن لاستكمال الطقوس.

بنيت هذه الكنيسة أيضاً على الطراز البازلكي وتتألف من ثلاثة أبهاء وحنية قدس الأقداس في الجهة الشرقية، يقوم الى جانبيها كل من غرفتي الشهادة والمخصصة للألبسة الكهنوتية.

يعتقد تشالكنو أنه تم بين العامين476 و 490 بناء المثمن والأجنحة الأربعة للكنيسة حول وكذلك كنيسة المعمودية. ثم بدئ بمتابعة بناء الدير والمقبرة والكنيسة جنوب المعمودية في نهاية القرن الخامس عشر للميلاد وكذلك تعود الى نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس الأبنية الفندقية الملحقة بكنيسة المعمودية والقريبة من الغرب منها والتي تبين إحدى الكتابات أن بنّاؤها كانوا من قرية تل عبقرين القريبة.

ولا تنسى ذكر طريق المواكب الصاعدة التي تصل قرية تلانيسوس في سفح الجبل بالكنيسة مروراً بقوس النصر، كان الحجاج يسلكونها وهم يرتلون الأناشيد الدينية والصلوات قادمين لزيارة القديس على عاموده أو زيارة العامود والكنيسة بعد وفاته مع التواطف حول العامود وأجنحة الكنيسة.

 

لماذا سميت قلعة سمعان؟

ترشدنا الكتابتان اليونانية والسريانية المسجلتان في العام 979 م الى أن موقع الكنيسة آنئذ كان لايزال ديراً جرى ترميمه مع كنيسته . ونحن نعلم أن نقفور فوقاس انتصر في العام 969\\970 م على الحمدانيين في حلب. وربما فكر بتحصين الدير الواقع عند نقطة مرور هامة استراتيجياً أو تحصين جزء من هذا الدير الذي تم ترميمه في 979 بحسب الكتابة أيام حكم باسيليوس الثاني وقسطنطين الثامن.

ويعلمنا يحيى بن سعيد الأنطاكي، أن دير سمعان كان كثير الرهبان ومزدهراً في زمنه ، وان جيش سعد الدولة بن سيف الدولة الحمداني قد حاصر الدير مدة ثلاثة أيام في 985 م واحتله وقتل رهبانه وباع بعضهم كعبيد.

ويبدو أن البيزنطيين قد عادوا الى الدير لأنه تم مهاجمته مرتين من قبل الجيش الفاطمي عام 1017 م. إذا لاشك انه كان هناك عدة هجمات وخراب بين العامين 979 و 1017 م وليس هناك ما يدل على استخدام الدير أيام الحروب الصليبية كدير أو قاعة عندما حوّل الدير الى قلعة، بني السور حول الهضبة بكاملها وجهز بالأبراج العديدة وقد بلغ عددها 13 برجاً، وكان ذلك في القرن العاشر مما جعل التسمية \” قلعة سمعان \” تطلق على كنيسة القديس سمعان العامودي.

ولا زالت بعض الأبراج بادية في السور قرب مقبرة الرهبان وفي القسم الجنوبي الشرقي من الأسوار. ولاشك أن هدف القلعة كان حماية طرق المواصلات بين الشمال والجنوب ومراقبة القادمين من السهول الشرقية أو الغربية. ونجد مواقع مماثلة في المنطقة تم تحويلها إلى موقع دفاعية كما هو الحال في كنيسة خراب شمس وقلعة كالوتا وبراد وباصوفان وتل عبقرين وقلعة سرمدا.

ظلت كنيسة القديس سمعان محجّاً للمؤمنين يمكن مقارنته بأماكن الحج المسيحية في فلسطين رغم الدمار الذي لحق بالكنيسة والدير وذلك حتى القرن السادس عشر ، حيث كانت تأتيه النساء العاقرات طلباً للحصول على نعمة الأمومة. ويذكر أن أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي : \” دير سمعان فيه أثار عمارة لا يمكن أن يكون في الآفاق مثلها، وفي وسط الدير قطعة عامود ينفع للحمى إذا أخذ من حكاكة الحجر على أسم المريض وينذر له شيء فإنه نافع مجرب \”.

كما يلمح مؤرخ حلب ابن العديم إلى ذكر دير سمعان في كتابه : \” زبدة الحلب في تاريخ حلب \” . وكان دوسو أول من ذكر في 1896  وجود القلعة في كنيسة القديس سمعان، وقد أكد وجودها الباحثان فان برشم وفاتيو في كتابهما \”رحلة إلى سورية\” وذكرا أن القلعة لم تشغل أيام المماليك في القرنين 14 و15 وربما سكنت بين القرنين العاشر والثاني عشر.

وبما يجدر ذكره أن الأب بولس سباط الحلبي يذكر وجود مخطوطتين برقم 492 و493 من فهرس مخطوطاته وهما من مجموعة ورثة رزق الله باسيل بحلب، أحداهما رسالة في دير مار سمعان العامودي ورهبانه والأخرى في دير مار أنطاكية ورهبانها وكلتاهما للراهب قيصر. ولا يعرف مصير المخطوطتين المفقودتين اللتين ربما حوَتا معلومات هامة عن أديرة المنطقة وبخاصة دير سمعان خلال أحدى الفترات التاريخية . حبذا لو يوافينا القراء ممن يعرفوا شيئاً عن المخطوطتين المذكورتين، بما لديهم، خدمة للعلم والتاريخ.

هذا وفي القرن التاسع عشر قام شيخ العرابي بسكن موقع كنيسة المعمودية، بينما قام آغا كردي بالسكن في الجناح الشرقي للكنيسة بعد إقامة الجدران اللازمة لسد الثغرات . وقد قام تشالنكو وكرنكر في الثلاثينات بإزالة هذه الجدران الداخلية حين أجريا أبحاثهما وكشفا عن أرضيات الأجنحة لدراستها وإبرازها وترميم ما أمكن منها.

ويخبرنا تشالنكو بأنه قام بوضع ورق مزفت فوق الكتابتين اليونانية والسريانية التين كشفهما كرنكر في البهو الأوسط للكنيسة الشرقية وصبّ فوقهما عدسة رقيقة من الاسمنت حماية لهما وتمهيداً لنقلهما إلى أحد المتاحف ، ألا أنهما لازالتا مغطاتين في مكانهما حتى الآن.

ويقوم حالياً باحثان فرنسيان هما جان بيير سوديني وجان لوك بيسكوب بمتابعة دراسة عناصر كنيسة سمعنا العامودي مع إجراء بعض التحريات والتقنيات وبشكل خاص في أسفل الجناح الغربي للكنيسة المطل على وادي عفرين وإلى الغرب من كنيسة المعمودية. وقد كشفا مؤخراً عن بقايا فسيفساء في ركام الجناح الغربي، ربما يعود إلى بناء الكنيسة الأول في نهاية القرن الخامس للميلاد وننتظر بفارغ الصبر نسر دراستهما الهامة بعد استكمال أعمال التنقيب.

 

العامود رمز القديس سمعان العمودي

كان القديس سمعان في الأصل راعياً، وبعد اعتلائه العامود حوالي 417 م حتى وفاته في 459 ، كان يقضي بين الناس في خلافاتهم على رعي قطعانهم ومواشيهم . لذا كان لهم المرشد والهادي كأنه السراج المنير على منارة. وأصبح العامود رمزاً لهم يتبركون به ويحيهم مع مواشيهم. من هنا وجدنا رمز العامود منتشراً بكثرة في المعلف وفي تزينات أبواب الكنائس.

ومن الأعمدة التي وجدت في المعالف نذكر عامود في الطبقة الأرضية من فيلا إلى الغرب من كنيسة خراب شمس، والعامود الكائن في الإصطبل الأرضي مقبل جنوب كنيسة برج حيدر التي لم يبق منها سوى أقواسها وأعمدتها والتي تعود إلى القرن الرابع. ونذكر أيضاً العامود الرائع المضفور الذي يعلوه صليب والموجود بين خرائب القرية القريبة من كنيسة المشبك وهناك أيضاً أعمدة صغيرة في كفرنابو وبراد وتلانيسوس وسواها.

وقد وجد رمز العامود تعلوه علامة الصليب على أحجار قائمة في درابزون القسم الفاصل بين هيكل الكنيسة وأبهائها ،مثل عامود بافتين والشيخ بركة وسواهما، كما وجد رمز العامود على نجفة المدخل الجنوبي لكنيسة داحس الشرقية في جبل باريشا وعلى نوافذ الواجهة الغربية لكنيسة قلب لوزة وعلى حجر في كفرلاب وسواها.

 

الأيقونات (الذخائر)

أن كلمة أولوجي Eulogie تعني في الأصل \”بركة\” أو \”نعمة\” يحصل عليها بشفاعة القديس . وقد أخذت تعبر في ما بعد عن كل شيء يخص القديس وفضائله وقدرته. وكان الزيت العنصر الأكثر التصاقاً بطقس الشهداء ومنهم العاموديون، ومن الأشياء الثانوية كان الشعر والماء وثياب القديس. وكان الزيت يوضع في قنينة تختم بختم العامودي وعليها صورته أو كتابة باسمه . وهكذا انتشر وضع رسم القديس العامودي على ميدالية على شكل قطعة مستديرة Eulogie تباع في الدير بعد أن تبارك بلمس عامود القديس وتقدم نفس ضمانات النعم التي تقدمها قنينة الزيت للقديس.

كان الحجاج يأخذون معهم بقايا ذخائر أو أيقونات ليشاركهم الأهل حين عودتهم إلى ديارهم بالتبارك من الحج . وكانت هذه الذخائر توزع في الكنائس والدور وبخاصة غرف النوم وهي صغيرة الحجم قطرها 2.5 ـ 3.5 سم مصنوعة من الزجاج أو الغضار المشوي أو المعدن . وكان يوحنا الذهبي الفم يؤكد على الجانب الروحي الذي يتصف به الزيت المقدس والذخيرة الأيقونة Eulogie ، وكان الاعتقاد الشعبي آنئذ يسود بأنها تؤمن حماية ضد الشياطين وبخاصة العين الشريرة . كما أن الأسقف تيودوره القورشي نفسه يذكر انه علّق فوق سريره زجاجة زيت مقدس مأخوذة من قبور الشهداء كانت تحميه من زيارة الشياطين.

لقد عرف فن العمارة المسيحي السوري غنى وتنوعاً كبيرين في زخرفة تيجان الأعمدة والنجفات وأشكال الصلبان المختلفة، لكنه تجاهل بشكل مطلق تمثيل الإنسان والحيوان سواء في التماثيل أو الصور مما كان معروفاً سابقاً في الفترة الرومانية اليونانية حيث كنا نجد غالباً التماثيل للأشخاص في المدافن بينما اكتفي في الفترة المسيحية برسم أو نقش الصلبان وأقراصها. وربما يعود ذلك إلى التأثير الشرقي وخاصة لدى المسيحية الأولى المتأثرة باليهودية التي كانت تعارض التمثيل بالصور الإنسانية.

إلا أن العاموديين كانوا يشكلون استثناء من هذه القاعدة حيث هناك في شمال سورية كمية كبيرة من تمثيلات العاموديين على العامود وبخاصة على الأيقونات التي غالباً مامثل عليها القديس سمعان فوق عاموده بقبعته الشهيرة وثوبه (الأسكيم) وعلى جانبيه ملاكان وحمامة ، وقرب عاموده سلم يرتقي به أحد تلاميذه جالباً له الطعام ، كما وضع  أحياناً فوق العلمود شكل صليب رمزاً للقديس بدلا من صورة وجهه.

وهناك صفيحة من الفضة في متحف اللوفر تمثل القديس سمعان على عاموده مع السلم وقد أحاط بالعامود ذكر أفعى له ذقن جاء يطلب الشفاء لأنثاه الأفعى المريضة    التي يمنع اقترابها من القديس كونها أنثى وهناك أعمدة  وايقونات عديدة في متاحف العالم مثل اللوفر ومتحف حماه و في المجموعات الأثرية الخاصة يجب التمييز فيها بين الأيقونة التي تمثل سمعان العامودي الكبير وسمعان الشاب الذي سكن الجبل العجيب قرب انطاكية ( 521ـ 592 م (.

ومما يجدر ذكره أن هناك أيقونة خشبية رائعة بأبعاد 98.5×67 سم من رسم مدرسة حلب للأيقونات والفنان نعمة المصور تعود للعام 1699 موجودة في كنيسة السيدة في دير البلمند في لبنان وتمثل القديسين سمعان العامودي الكبير على عاموده وتقاطيع أضلاع جزء من جسمه العاري ظاهرة، دليلاًً على الصيامات والتقشفات، وإلى جانبه على عامود مماثل القديس سمعان العامودي الشاب في الجبل العجائبي الذي عاش قرب أنطاكية. وقد توزعت حول العاموديين صور أشخاص تم شفاؤهم من أمراضهم على أيدي القديسين الناسكين.

كما لا ننسى أن نذكر الخطوط العديدة التي كانت تحفر في جدران الأبراج أو الكنائس القريبة من أماكن تواجد النساك وبخاصة العاموديين، وكانت على شكل دائرة فوق خط شاقولي أو بالعكس دائرة فوقها خط شاقولي أو على شكل مظلة في الأعلى وتتراوح أطوالها بين 14 و 32 سم وجميعها تمز للناسك العامودي. وغالباً ما كان يحفر قربها أشكال الصلبان المختلفة. بعضها محاط بهالة أو نصف قوس دائرة منا الأعلى أو يستند بعضها على قاعدة. ومعظم الخطوط والأشكال المحفورة تعود إلى القرن السادس وربما حفرت لذكرى حج إلى مكان الناسك أو تيمناً للحصول على البركة أو الحماية من العين الشريرة.

السنكسار

 

مواضيع ذات صلة

 تذكار القديس سمعان العمودي

LightBook.org

How useful was this post?

Click on a star to rate it!

Average rating 4.4 / 5. Vote count: 31

No votes so far! Be the first to rate this post.

Related Articles

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker