سيرة القديس الشهيد مار جرجس – قصة حياته وعذاباته
سيرة القديس الشهيد مار جرجس – قصة حياته وعذاباته
معنى الاسم… وألقابه
مار جرجس تعبير سرياني معناه القديس جرجس وهذا التعبير السرياني هو الذي أصبح سائداً بين الناس وفي الاستعمال الكنسي. وهو يتكون من مقطعين:
أ) مار: كلمة سريانية معناها سيد: جرجس: هو الاسم الذي اعترف به في فلسطين.
ب) مار جرجس الملطي: نسبة إلى مدينة ملطية موطن آباء القديس وأجداده وهي تقع في إقليم كبادوكية بآسيا الصغر (تركيا حاليا) ولذلك يطلق عليه أحيانا اسم مار جرس الكبادوكي.
ج) جيئورجيوس: وهي من الأصل اليوناني وترجمته عربيا: فلاح أو عامل في الأرض وقد دبرت عناية الله أن تكون أعمال هذا المغبوط وجهاداته مطابقة لاسمه. فقد فلح في حقل الملكوت واشتغل في كرم الرب.
د) مار جرجس الفلسطيني: لأن والدته كانت من مدينة اللد بفلسطين.
هـ) مار جرجس الكبير: تميزاً له عن القديسين الآخرين الذين لهم نفس الاسم.
و) مار جرجس الروماني: لأنه كان يتمتع بحقوق المواطن الروماني كاملة وقد منح هذه الجنسية طبقاً لقانون (كاراكلا) الصادر عام 212م ويقضي بمنح الجنسية الرومانية لجميع سكان الإمبراطورية الرومانية والأمراء الأصليين.
) سان جورج: وهو الاسم الذي يعرف به القديس في الكنيسة الغربية.
ح) أمير الشهداء: وهو أشهر لقب للقديس وقد أعطاه له السيد المسيح نفسه.
ط) سريع الندهة: وهو اللقب الشعبي المعروف به القديس.
نشأة القديس
لا نستطيع أن نحدد السنة التي ولد فيها القديس مار جرس بالضبط ولكن نستدل من كتب الكنيسة أن ولد في أواسط النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي بمدينة اللد بإقليم كبادوكية بفلسطين من أبوين مسيحيين أتقياء. فوالده الأمير أنسطاسيوس حاكم ملاطية وأمه ثيؤبستى ابنة ديونيسيوس حاكم اللد وكانت له أختان إحداهما كاسيا والثانية مدرونة. وكان والد القديس مار جرس مؤمنا بالسيد المسيح. وقد اشتهر بالصلاح والعدل.
يحكم البلاد بمخافة الله. فلما رزقه الله بابنه جرجس أحست تربيته على مقتضى الآداب والأخلاق المسيحية المستقيمة ولقنه العلوم الكنسية واللاهوتية. كما لقنه العلوم والآداب والقوانين… فضلاً عن إجادة اللغة اليونانية التي كانت في ذلك العصر هي لغة المدنية والثقافة وإجادة الفروسية التي كانت هي مفخرة ذلك الزمان.
استشهاد والده: القديس أنسطاسيوس
حدث أنه لما بلغ القديس الرابعة عشرة من عمره أن علم الوالي أن والده أنسطاسيوس يعتنق المسيحية. فأمر بقطع رأسه وعين مكانه أميراً آخر.
رحيل عائلة جرجس
بعد استشهاد والد القديس مار جرجس. أخذت والدة جرجس ابنها وابنتيها ورحلت من إقليم الكبادوك إلى مدينة ديوسبوليس أحد أقاليم فلسطين حيث كان موطنها الأصلي وحيث كانت لها فيه أملاك كثيرة.
الأمير مار جرجس
لقد كان القديس جرجس حسن الطلعة ممشوق القوام.. مما أهله أن يلتحق بالجيش وكان عمره سبعة عشر عاما… ولما علم الوالي الجديد بشجاعته وفروسيته بعث به إلى الإمبراطور الروماني وبصحبته مائة جندي وأعطاه خطابا إلى الإمبراطور يوصى فيه بترقيته.
فلما رآه الإمبراطور وقرأ الرسالة التي معه فرح به جدا ومنحه لقب أمير وأصبح (الأمير جرجس) ورتب له راتباً شهريا ضخماً وأعطاه خمسمائة جندي ليكونوا تحت أمره، كما عينه حاكماً لعدة بلاد لتكون خاضعة لحكمه وقيد اسمه في ديوان المملكة مع العظماء وأعطاه هدايا كثيرة. وعند انصرافه وهبه حصانا ضخما.
نياحة والدته
ما أن عاد الأمير جرجس حتى خرج أمير فلسطين للقائه بحفاوة وتكريم. وأقامت والدته وليمة عظيمة لأهل المدينة كما أقامت الصلوات الكثيرة لأجله. ولما بلغ القديس من العمر عشرين عاما تنيحت والدته وكان قد وصل إلى درجة فائقة من الشجاعة… وأصبحت له شهرة في كل مكان. فقرر الأمير يسطس حاكم فلسطين أن يزوجه ابنته الأميرة، غير أنه قبل أن تتم مراسيم الزواج توفي الأمير ففكر القديس في أن يتمم زواجه من الأميرة.
ليصبح أميرا على فلسطين بعد أبيها… لكن الله كان قد دبر له مملكة من نوع آخر ومن نوع أنبل وأجمل ليكون أميرا عليها وهي مملكة الشهداء التي هي ليست في الأرض وإنما في السماء… ولقد حفظه السيد المسيح عريساً بكراً لملكوته السماوي.
ذهاب القائد جرجس إلى مدينة صور
إلى صور توجه القائد جرجس يرافقه خادمه سقراط في أمر يخص الجندية ولما وصل إليها وجد جموع الحكام والشعب يبخرون للأصنام وقد تركوا عبادة الإله الحقيقي يسوع المسيح واهتموا بعبادة الأصنام وتقديم الذبائح والبخور إلى الأوثان الحجارة الصماء. كما أن الملك داديانوس اجتمع مع تسعة وستون من الملوك والرؤساء في دولته بمناسبة عيد أبولون وأصدروا منشورا ينص على ال.
هدم جميع الكنائس – طرد جميع الموظفين المسيحيين من أعمالهم.
حرق الكتب المقدسة – تقديم الذبائح والبخور لآلهة الملك وكل من يرفض الخضوع لأوامر الملك يعذب عذابا شديدا حتى الموت.
شجاعة القائد جرجس
غلى دم الشجاعة والشهامة في عروق القديس وقام بتمزيق المنشور أمام جنود الملك داديانوس وبسرعة فائقة قبض الجنود على الأمير جرجس وساقوه إلى الملك مكبلاً بالقيود الحديدية. لينال عقابه على ما فعله ضد أوامر الملك.
عذابات القديس
لقد ذاق القديس أمير الشهداء أشد أنواع العذابات طوال سبع سنوات كاملة من جلد وضرب بالدبابيس وتقطيع الأعضاء ووضع داخل جير حي غير مطفأ ونشره بالمنشار وعذابات كثيرة أهلته أن يكون أميراً للشهداء.. وها نحن نعرض إلى هذه العذابات التي تحملها القديس بصبر عجيب.
القديس داخل السجن
اقتاد الجنود القديس إلى الملك داديانوس الذي كان مجتمعا مع الملوك والأمراء التسعة والستون يدبرون ويخططون لإهلاك المسيحيين، ولكن قد هالهم الأمر أن الذي يقف أمامهم قائد له مكانته المرموقة في المملكة، لذلك ابتدأ الملك يلاطف الأمير جرجس بالوعود والترقيات إلى مناصب أعلى وأنه سوف يزوجه ابنته وسوف يعطيه من الأموال والذهب والهدايا الكثير إذا قدم السجود والتبخير للآلهة.
ولكن الأمير جرجس تذكر أنه ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس. لم تفلح كل محاولات الملوك والأمراء في إثناء القديس عن عبادته للإله الحقيقي يسوع المسيح، مما جعل الملك يثور غاضباً ويأمر بوضع جورجيوس داخل السجن.
إغرائه بالخطيئة… الفتاة تنال إكليل الشهادة
أخذ الملك يستشير أعوانه في كيفية تعذيب هذا القائد ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه إهانة الملك وعدم التبخير والسجود لآلهة المملكة. فقدم أحد الأمراء اقتراحا بوضع جرجس مع فتاة جميلة من محظيات قصر الملك حتى يفقد عفته ثم يسهل بعد ذلك خضوعه لأوامر الملك وفي الحال كانت الفتاة داخل زنزانة القديس جرجس.
ولكن ماذا تفعل كل محاولات إبليس أمام قوة الصلاة فقد كان القديس راكعاً يصلى إلى السيد المسيح أن يعينه ويقويه وهنا نجد قوة الصلاة التي تغلب كل تجربة وتحول الدنس إلى عفة… وحولت الفتاة من الخطية إلى الطهارة. وما أن حضر رجال الملك في الصباح لأخذ الفتاة حتى وجدوا خلاف ما توقعوا. لأنهم وجدوا الفتاة الخليعة وقد اكتست بالحشمة وهي تعترف بإيمانها بالسيد المسيح إله جرجس.
وقد كانت مفاجأة صاعقة أصابت الملك وأعوانه بالذهول مما دعاه لإصدار أوامره بإعدامها في الحال وهكذا نالت إكليل الشهادة. استشاط الملك غضبا فأمر جنوده بربط جرجس بأغلال قاسية ثم ألقوا على صدره حجراً كبيراً وتركوه إلى اليوم التالي لعله يموت أو يخضع لأوامرهم ولكنه تحمل الألم وهو يشكر السيد المسيح.
تعذيب القديس بالهنبازين وظهور رب المجد له
حينما فشلت المحاولة في إخضاع القديس، أمر الملك بتعذيبه بالهنبازين، وهي آلة تعذيب شنيعة عبارة عن دولاب حديدي به عجلتان من الحديد لكل منهما سكاكين حادة وتدور كل عجلة عكس الأخرى. وعندما وضعوا جرجس داخل الدولاب وأداروا العجلتين أخذ جسده يتمزق والدم يسيل منه.
وإمعانا في التعذيب جاءوا بنار المشاعل ومرروها على جروحه ثم وضعوا كميات من الملح فوق جروحه أيضا حتى أصبحت آلامه فوق كل احتمال ومع ذلك كان جرجس يقدم الشكر للسيد المسيح الذي احتمل آلام الصليب من أجل خطايا البشرية.
وبينما القديس غارقا في دمائه بين حي وميت إذ بنور قوى يظهر فجأة داخل غرفته في السجن ويقترب منه مخلص العالم ويعطيه السلام قائلاً لا تخف يا حبيبي جرجس لأني معك. وعندما لمس جراحاته إذ بها تلتئم بسرعة عجيبة وكأنه لم يصب بأي أذى. شدة على أربعة أوتاد في جير حي وظهور رب المجد له للمرة الثانية ليشفيه من جراحه:
حينئذ أمر داديانوس أن يخرجوه من السجن ويحضروه بين يديه في مجلس الحكم وكان القديس يرتل “إلهي انظر إلى معونتي” وقد سأله الحاضرون: يا جرجس من الذي شفاك فأجابهم القديس: أنتم لا تستحقون أن تسمعوا اسم الذي شفاني. حينئذ استشاطوا غيظا وأمروا أن يشد على أربعة أوتاد ويضرب مائة سوط على بطنه. ثم أمر الملك أن يأتوا بجير حي ويوضع على جراحاته وقروحه جميعاً. ثم يصب على جسده كبريت مذاب في خل عتيق ووكل بحراسته ثمانية جنود يحفظونه إلى الغد.
اشتعلت النار وهاجت في جسده وتألم جدا وللوقت نظر المخلص لآلامه فنزل إليه من السماء ومعه ملائكته الأطهار وقال هل: لك أقول يا حبيبي جرجس أنهض قائماً صحيحاً معافى من جميع آلامك، اثبت وتقو لأني كائن معك. عندئذ لمس الرب جسده وشفاه من جميع جروحه وأعطاه السلام وصعد إلى السماء بمجد عظيم. أما المغبوط جرجس فأقام بقية الليل يسبح إلى الصباح فلما رآه الجند وبقية الموكلين بحراسته أنه صحيح معافي تعجبوا وأسرعوا واعلموا الملوك.
اتهام القديس بأنه ساحر… وإيمان الساحر أثناسيوس
في اليوم التالي أمر الملك قائد حرسه بالذهاب إلى السجن ليتحقق من موته حتى يدفنه خارج المدينة. ولكن فوجئ قائد الحرس بأن وجد القديس سليماً معافى من كل ما أصابه فذهب به إلى الملك الذي اندهش عندما رآه في كامل صحته. لكن الملك وأعوانه ابتدأوا ينسبون ما حدث للقديس بأنه ساحر. لذلك أمر الملك بإحضار أعظم السحرة في المملكة.
وبسرعة كان الساحر أثناسيوس أمام الملك الذي طلب منه التغلب على جرجس وإخضاعه بقوة السحر وحالاً أخذ الساحر كأساً مملؤة شراباً ومزجها بكمية كبيرة من السم القاتل وقدمها إلى القديس ليشربها، لكن القديس جرجس ردد في نفسه قائلاً: “إن قوة الصليب عن الهالكين جهالة. أما عندنا نحن المخلصون فهي قوة الله”
ثم مد يده ورشم الكأس بعلامة الصليب المقدس وتناول كل ما فيها، والجميع ينظرون إليه متوقعين سقوطه…. ولكن طال انتظارهم إذ لم يؤثر السم في جرجس فاغتاظ الساحر جدا وأخذ كأسا أخرى وضاعف كمية السم وقرأ عليها أسماء شياطينه المرعبة الأشر من الأولى مع ربط يدي القديس حي لا يرشم علامة الصليب، لكن القديس رشم الصليب بفمه وتناول كأس السم ولكن لم يصبه أي أذى كما في المرة الأولى.
عندئذ سرت الدهشة بين جموع الحاضرين وصاح الجميع بما فيهم الساحر أثناسيوس الذي سجد بين قدمي القديس معلنين إيمانهم بالسيد المسيح الإله الحقيقي. فاستشاط الملك غيظاً والأمراء الذين معه وأصدروا أمراً بقطع رؤوسهم بحد السيف ونالوا إكليل الشهادة. لكن الملك أخذ يصر بأسنانه وهو يتوعد البطل بأن يذيقه أنواع العذابات إذا استمر على إيمانه بالسيد المسيح.
تعذيبه بالشفرات الحادة
أمر الملك بتعذيب جرجس بأن يمدد على شفرات حادة مثل السكاكين لتقطيع أعضاء جسمه، ولكن كلما حاول الجند كانت شفراتهم تتكرر وتتناثر على الأرض. وضع حذاء المسامير في رجليه: لم يرتدع الملك بعد كل ما رآه بل تقسى قلبه وطلب من الجنود إحضار حذاء يدقوا فيه مسامير كبيرة ثم يلبسه جرجس ويأمرونه بالجري.
وفعلاً تم ذلك وأخذ الدم يسيل منه وهو يجرى وكان إذا توقف ينهال عليه الجند بالضرب بأعصاب البقر حتى تفجرت دماؤه من جميع جسمه وراح في غيبوبة من شدة الألم ثم أخذوه فألقوه في السجن بين حي وميت. ولكن الرب يسوع ظهر له في السجن وشفاه من جميع جراحاته.
تعذيب القديس بالنورج… وموته للمرة الأولى
أمر الملك داديانوس بعد ذلك إمعاناً في تعذيب القديس بأن يوضع داخل نورج بعجلة كبيرة ذات أطواق ومناجل وسيوف حادة وعندما أداروا العجلة والقديس بداخل النورج، انسحقت عظامه وتقطعت جميع أعضائه حتى إن الملك والأمراء أخذوا في الاستهزاء به وكيف أن آلهة لم يقدر أن يخلصه من أيديهم، ثم أمر الملك أن توضع عظامه ولحمه في جب عميق حتى يتخلصوا منه نهائيا. ولكن السيد المسيح الإله القادر على كل شيء أراد أن يخزي الشيطان وعباد الأصنام.
إذ تزلزلت الأرض لأن رب الكون نزل وأقام جرجس حيا… فما أن رأى هذا أحد الأمراء ويدعى اناضوليس حتى أعلن إيمانه بالسيد المسيح إله جرجس ومعه جمع غفير كان حاضراً وشاهد المعجزة العظيمة. ولكن الملك الجاحد أمر حالاً بقطع رؤوسهم حتى لا يحدث شغب في الشعب ونالوا إكليل الحياة الأبدية. ثم أمر الملك بوضع القديس في السجن حتى يتفنن في طريقة يهلك بها القديس ويتخلص منه.
تعذيب القديس بالمنشار… وموته للمرة الثانية
أمر الملك بعد ذلك بإحضار القديس ونشره بمنشار كبير إلى نصفين وهو ممدد على الأرض مع ربط يديه ورجليه بسلاسل حديدية. ولما فارق القديس الحياة، أمر الملك بدفنه وأن يوضع عليه كميات كبيرة من رصاص وزفت وكبريت وأمر الجند أن يوقدوا ناراً حتى لا يتبقى أي عضو من جسده يأخذه الناس ويكرموه.
لكن رب المجد لم يترك أمير الشهداء يسخر منه أعوان الشيطان إذ نزل الرب يسوع من السماء ملائكته وأقام جرجس ووضعه على الأرض كأنه لم يصب بأي أذى.
ومن ثم أخذ القديس يطوف في الشوارع منادياً بأنه حي لكي يؤمن بالسيد المسيح إلى الكل أما الجموع فقد أحاطوا بالقديس… والملك والأمراء اضطربوا جدا حينما علموا أن القديس جرجس رجع حياً للمرة الثانية والجموع هتفت مؤمنة بإله جرجس مما جعل الملك يصدر أمره بإعدام كل من آمن بالسيد المسيح وقتله بالسيف.
تعذيب القديس بطمره في إناء به جير.. وظهور رئيس الملائكة ميخائيل له
استشاط الملك غضبا لكل ما حدث فأمر بوضع جرجس في حوض كبير مملوء جير حي غير مطفأ وذلك لمدة ثلاثة أيام مع حراسة مشددة حتى لا يقترب منه أحد وحالاً وضعوا القديس في الحوض وهو مقيد اليدين والرجلين.
ولكن ماذا تفعل كل قوى الشيطان أما قوة ربنا يسوع المسيح الذي حول أتون النار الذي وضع فيه الثلاثة فتية القديسين كأنه ندى بارد وفي اليوم الثالث حضر الجند لإخراج جثته التي ظنوا أنها تلاشت ولم يبقى غير العظام فقط ولكنهم فوجئوا بالقديس لم يصب بأي أذى فقد نزل رئيس الملائكة ميخائيل وحفظ القديس من أي شر.
تعذيب القديس ورفعة على معصرة… وموته للمرة الثالثة
بعد ذلك أمر الملك الكافر داديانوس بإحضار جرجس أمامه وضربه بغير رحمة حتى تهرأ لحمه ثم أمر بوضعه في المعصرة حتى فارق الحياة وأصبح جسده عبارة عن أجزاء متناثرة وبعد ذلك أمر الملك بطرحه على جبل عال حتى يستريح من إلى الأبد. وبعد أن فعلوا أوامر الملك إذ حدث رعد في السماء وبرق شديد والسيد المسيح له المجد ظهر على سحابة وأعاد جرجس إلى الحياة مرة أخرى ليخزي به الكفرة عباد الشيطان وفي الحال آمن كثيرون بإله جرجس.
داخل قصر الملك
أخذت الملك حيرة شديدة فأخذ يلاطف جرجس ويكلمه برقة واعداً إياه أن يجعله الرجل الثاني في المملكة إن بخر للأصنام ولو مرة واحدة. حتى لا تهلك المملكة بسببه وقد تظاهر القديس بالموافقة لتظهر عجائب.
وفعلاً أمر الملك بإطلاق سراحه وإنزاله ضيفاً في قصر الملك في داخل القصر. تقابل البطل القديس مع الملكة الكسندرة زوجة الملك التي كانت تريد رؤيته لما سمعت عن شجاعته وتحمله للعذابات وابتدأت تسأله عن سر قوته وعجائبه وتطرق الحديث عن الإله الواحد الأزلي الأبدي خالق كل شيء القادر على كل شيء.
وعن تجسده في أحشاء السيدة العذراء وأنه مصدر القوة التي يهبها لأولاده المؤمنين به وأنه يقبل إليه كل تائب ويغفر له خطاياه وهو عون الذين يلجئون إليه في الشدائد والضيقات مما جعل الملكة تؤمن بالسيد المسيح. دون علم زوجها الملك.
القديس داخل البربا وحديثه مع الشياطين وتحطيم التماثيل أمام الجموع
في الصباح الباكر أشيع أن جرجس خضع لأوامر الملك وأنه سوف يبخر للآلهة. وكان الحفل مهيباً والأروقة غاصة بالمتفرجين، والجنود مصطفين لتحية صديقهم القائد الذي ظنوا أنه خضع لدين المملكة… تقدم القديس ووقف أمام الصنم الكبير الذي يتوسط المعبد وصلى إلى السيد المسيح أن يظهر عجائبه في هذه اللحظة كي يعرف الجميع من هو الإله الحقيقي.
ثم التفت إلى الصنم أبولون وقال له إن كنت أنت الإله الحقيقي فاكشف قدرتك للجموع. فخرج صوت سمعه كل الحاضرين “الإله الحقيقي هو الذي تعبده أنت يا جرجس أما نحن فإننا شياطين ساكنين هذا الحجر. ثم رشم القديس بعلامة الصليب على الصنم الكبير وفي الحال سقط على الأرض وسقطت بقية الأصنام التي في المعبد. والشعب الحاضر هتفوا قائلين نؤمن بإله جرجس فأمر بقطع رؤوسهم بالسيف.
استشهاد القديس
اجتمع الملك داديانوس مع الملوك والأمراء ليجدوا طريقة تخلصهم من جرجس وكتبوا قضيته بأن تؤخذ رأسه بحد السيف ووقع عليها الملوك والأمراء التسعة والستون. وكان القديس يسير فرحاً مسروراً إلى المكان المعد لينال إكليل الشهادة. ولما وصل إلى المكان صلى إلى السيد المسيح ثم تقدم بقلب ثابت قوى ومد عنقه إلى السياف الذي هوى بشدة على رقبته… ونال إكليل الشهادة في اليوم الثالث والعشرين من شهر برمودة الموافق أول مايو في حوالي 263 م.
نقل أعضاء الشهيد مار جرجس من صور إلى اللد
لما أخذت رأس القديس مار جرجس، بقي جسده ملقى على الأرض إلى غروب الشمس وكان سقراطيس خادم القديس عنده يبكي عليه ويحرسه. فألقى الرب في قلب اثنين من العبيد أصدقائه، فأتيا إلى المدينة ليتفقد سيدهما ليعلما ما كان من أمره. فلما تفصيل عنه أعلموهما أنه قد قتل في ذلك اليوم. فبكيا وطافا يبحثان عن موضع جسده. فوجدوا سقراطيس جالساً عنده يبكي. فجلسا هما أيضاً يبكيان معه ثم بعد هذا، قاموا جميعاً وأخذوا رأس القديس ووضعوها مع الجسد.
ثم نزعوا عنه الثوب الذي كان عليه، وكان ملطخا بدمه الطاهر، وأدرجوه في ثوب نقى كان لأحدهم ووجدوا قبراً جديداً خارج المدينة قريبا منهم. فوضعوا فيه جسد القديس وجلسوا هناك إلى الغد ولما أصبحوا، دخلوا المدينة وابتاعوا طيبا وأكفانا نقية وكفنوا بها جسده ثم وضعوه في القبر، وتركوا عنده سقراطيس يحرسه، ودخل الاثنان الآخران إلى المدينة ليتشغلا ويجدا مصاريف حمل جسد القديس سيدهما في مركب، ثم صادفوا مركبا على وشك الإقلاع إلى يافا. فطلبوا من رئيس المركب حمله في مركبهم، ففرحوا بذلك.
وصول جسد القديس إلى بيته في اللد
وكذلك التجار لما سمعوا بحمل جسد القديس مار جرجس الذي من مدينة اللد في مركبهم وعلموا قصته وتعجبوا من عذاباته. وقاموا بأجمعهم وسجدوا أمام جسده ممجدين الله لأنهم استحقوا أن يصعدوا جسد القديس في مركبهم. وكان واحد منهم اسمه لاونديوس من أهل يافا، كان يعرف القديس مار جرجس، فأحضر دابة وحمل جسده عليها وأوصله إلى بيته. حينئذ وجد أن والدته وأختيه قد تنيحن. فذاع الخبر بأن جسد القديس مار جرجس قد أحضر.
لأنهم لم يروه منذ سبع سنوات وكان أهل بلدته قوما مسيحيين فاجتمعوا وسجدوا وهم باكين ثم قبلوه وهم متعجبين من جهاده وفرحوا ومجدوا الله. ثم أخبر سقراطيس والعبدان الآخران وكان اسم أحدهما لوقاس واسم الآخر قبريانوس أخبروا أهل المدينة بكل ما كان من سيدهم. فتعجب واجدا. ثم وضعوا جسد القديس مار جرجس في خزانة داخل بيته مدة سبعة أيام وهم يأتون بأجمعهم ويصلون عنده.
ثم حملوا الجسد إلى البيعة التي كانت في المدينة… وقاموا بعد ذلك بهدم منزل القديس وقاموا ببناء بيعة حسنة باسمة في موضع بيته. وأرسلوا إلى بيت المقدس رئيس الأساقفة الأنبا تاؤضوسيوس، فكرسها في اليوم السابع من شهر هاتور ووضعوا جسده فيها وحدثت في البيعة في تلك الليلة قوات وعجائب باهرة وتم بناء البيعة في سنة وعشرة شهور.
مكانة الشهيد في العالم
للقديس مار جرجس شهرة عالمية تمتد إلى كل أنحاء العالم. فهو شفيع بريطانيا: التي بها 152 قرية باسمه وتنقش صورته على الجنيه الإنجليزي (الجنيه الذهب)، وتحتفل بريطانيا بذكرى استشهاده في 23 أبريل من كل عام ويعتبر البريطانيون هذا اليوم عيدا قوميا لهم تعطل فيه الأعمال الحكومية، كما يطلق اسمه على المؤسسات التجارية والمحلات العامة والمدارس والملاجئ.
وكثير من ملوك بريطانيا يتخذون اسمه لأنفسهم تبركا به مثل جورج الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس.
في بيروت عاصمة لبنان: كنائس باسم الشهيد مار جرجس وفي لبنان خليج تجثم على ضفته مدينة بيروت نفسها ويعرف بخليج مار جرجس أو بخليج الخضر.
في إيطاليا: يتمتع سان جورج بمكانة عظيمة لدى الكاثوليك فهو نصير الكنيسة الكاثوليكية في الملمات. فقد وجدت في روما ونابولي كنائس قديمة جدا على اسم القديس جيورجيوس وكان البابا جلاسيوس الأول بابا روما قد أثبت قداسة مار جرجس في مجمع عقد بروما سنة 404م.
في فرنسا: بنى الملك كلوفيس الثاني (638 – 656) كنيسة كبيرة على اسم سان جورج وكانت الملكة كلونيدا زوجته تؤمن بشفاعة البطل فأكثرت من بناء الكنائس على اسمه، وكانت تخصص الأموال الكثيرة لخدمة هذه الكنائس من مالها الخاص.
في النمسا: أنشأ الإمبراطور فريدريك في سنة 1470 م رتبة من الكافليريه (الفروسية) على اسم القديس جرجس.
في روسيا: كان للبطل جاورجيوس مكانة عظيمة في روسيا القيصرية، فرسموا صورته على الحصون. وأنشأت الإمبراطورة كاترين وساما رفيع الشأن اسمه وسام جاورجيوس وهو على شكل صليب منقوش عليه في الوسط صورة للقديس، وكانت تمنحه للقواد العظام الذين ينتصرون في الحروب مكافأة على شجاعتهم وتخليدا لبطولتهم وكان مار جرجس هو شفيه الإمبراطورية الروسية قبل الثورة البلشفية سنة 1923. ولا شك أن الروس سيعودون إلى اتخاذه شفيعا لهم بعد انهيار الشيوعية في بلادهم.
في اليونان: يرمونه أعظم إكرام، ويشيدون على اسمه الكنائس والأديرة، ويسمونه باسم يتميز به عن جميع الشهداء، فيلقبونه بالظافر أو حامل علامة الظفر، كما يصفونه بالشهيد العظيم ورئيس الشهداء.
المصادر: كتاب السنكسار، سيرة حياة القديسين، موقع سانت تكلا
مواضيع ذات صلة
- قصة حياة وسيرة القديس العظيم باجوش شفيع الضيقة
- القديس بادري بيو أعجوبة القرن العشرين
- قصة حياة القديس الشاب دومينيك سافيو Saint Dominic Savio
- قصـة حياة القديس مار شربل ولادته ونشأته ومماته
قصة حياة القديسة مريم العذراء أم يسوع