قلبنا هيكل للفرح لأن الله هو مصدر فرحنا الحقيقي

4.5
(23)

قلبنا هيكل للفرح لأن الله هو مصدر فرحنا الحقيقي

رسالة البابا بندكتس السادس عشر لشبيبة العالم أجمع

بمناسبة يوم الشبيبة العالمي 2012، الذي يحتفل به نهار أحد الشعانين ننشر في ما يلي القسم الأول من رسالة بندكتس السادس عشر بمناسبة يوم الشبيبة العالمي الذي سيحتفل به نهار أحد الشعانين الواقع فيه 1 نيسان، وموضوعها هذه الآية من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل فيليبي:

“إفرحوا دائما في الرب! ” (فيليبي 4،4)

 

أيها الأصدقاء الأعزاء

يسرني مرة جديدة أن أوجه إليكم كلمة بمناسبة اليوم العالمي السابع والعشرين للشبيبة. لا تزال ذكرى لقائي بكم في مدريد، في أغسطس الماضي تراودني حتى اليوم، فلقد أمضينا خلاله وقتًا إستثنائيًا نلنا فيه النعم كما بارك الله الشباب الذين حضروا من كافة أقطار العالم. أشكر الله على كل ما أنتجته تلك اللقاءات التي بالتأكيد ستبرز ثمارها في مستقبل الشباب والمجتمعات التي ينتمون إليها. نحن اليوم بانتظار اللقاء القادم في ريو دي جانيرو في سنة 2013 تحت شعار: “إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم” (راجع متى 28، 19).

نحن كمسيحيين قلبنا هيكل للفرح لأن الله هو مصدر فرحنا الحقيقي
نحن كمسيحيين قلبنا هيكل للفرح لأن الله هو مصدر فرحنا الحقيقي

إفرحوا دائما في الرب

أما موضوع يوم الشبيبة العالمي لهذه السنة فقد استوحيته من رسالة القديس بولس إلى أهل فيليبي: ” إفرحوا دائما في الرب! “( فيليبي 4،4)، فالفرح في الواقع هو عنصر أساسي من التجربة المسيحية، وخلال كل لقاء عالمي للشبيبة، نعيش تجربة فرح كبيرة، كفرح الشراكة، وفرح الإيمان وفرحنا بكوننا مسيحيين. هذه سمة من سمات هذه اللقاءات ونحن نلاحظ كم يجذب هذا الفرح: في عالم يتسم في معظم الأوقات بالتعاسة والهموم، يشكل الفرح له شهادة تحمل في طياتها جمال الإيمان المسيحي وحقيقة أنه جدير بالثقة.

أما رسالة الكنيسة فهي أن تزرع الفرح في العالم، فرح حقيقي يستمر كالفرح الذي أعلنه الملائكة لرعاة بيت لحم ليلة ولادة المسيح ( لوقا 10،2): الله لم يتكلم سدى، ولم يخلّف علامات عجائبية في تاريخ البشرية فحسب بل جعل نفسه قريبا جدا إلى حد أنه تجسد لأجلنا واختبر جميع مراحل الحياة الإنسانية.

في هذه الأوقات الصعبة، كثير من الشباب حولكم بحاجة ماسة ليعلموا أن الرسالة المسيحية هي رسالة حب ورجاء. أود أيضا أن نفكر سوية بهذا الفرح، وبالطرق التي يمكننا أن نجده بها حتى تتمكنوا من عيشه بعمق أكثر فأكثر وتكونوا رسلًا من حولكم.

 

قلبنا هيكل للفرح

طُبعت الرغبة بالفرح في قلب الإنسان. بعيدًا عن الملذات العابرة، يسعى قلبنا للحصول على الفرح العميق، الكامل والدائم الذي بإمكانه أن يعطي “طعمًا” للوجود. هذا بخاصة ينطبق عليكم، فالشباب هو فترة من الإكتشاف المستمر للحياة، والعالم، والآخرين، والذات. هذا وقت للإنفتاح على المستقبل حيث تقبع الرغبات الكبيرة للسعادة، والصداقة، والمشاركة، والحقيقة، ونهدف إلى الأمثل ونتخيّل مشاريع متعددة. يمنحنا الرب في كل يوم أفراحًا بسيطة ومنها:

فرح الحياة، فرح العمل المتقن، فرح الخدمة، وفرح الحب الحقيقي والنقي. أما إذا فكرنا جيدا، فنجد أن لدينا أسبابًا أخرى للفرح ألا وهي: اللحظات الجميلة التي نعيشها في الأسرة، والصداقة المشتركة، واكتشاف قدراتنا الشخصية وإنجازاتنا الخاصة، ومديح الآخرين لنا، وقدرة التعبير والإقناع، وشعورنا بأننا مفيدين للآخرين.

يضاف إلى كل ذلك المعرفة الجديدة التي ننالها بالدراسة، واكتشاف أبعاد جديدة من خلال السفر واللقاءات، والقدرة على وضع خطط للمستقبل، ولكن أيضًا قراءة عمل أدبي، والتأمل بتحفة فنية، والإستماع إلى الموسيقى أو حتى عزفها، كل هذا يزرع في داخلنا أفراحًا حقيقية. مع ذلك، نواجه كل يوم مصاعب جمّة، وقلوبنا يسيطرعليها القلق تجاه المستقبل، مما يدفعنا لنتساءل إن كان هذا الفرح الدائم الذي نطمح إليه مجرد وهم وهروب من الواقع.

كثير من الشباب يسألون أنفسهم : هل الفرح المثالي موجود حقا؟ ويبحثون عنه بطرق مختلفة وفي بعض الأحيان بطرق خاطئة أو على الأقل خطيرة. كما يسألون أيضًا: كيف نميز بين الأفراح الحقيقية الدائمة واللذات العابرة والمزيفة؟ كيف نجد الفرح الحقيقي في الحياة، هذا الذي يدوم ولا يتخلى عنا أبدا حتى في الأوقات الصعبة؟

 

الله هو مصدر الفرح الحقيقي

في الواقع، إن الأفراح الحقيقية أكانت أفراحًا صغيرة يومية أم أفراح كبيرة في الحياة، جميعها مصدرها الله حتى ولو لم يَظهر لكم ذلك على الفور. السبب أن الله هو شركة حب أبدي، وهو فرح لامتناه ليس منغلقا على نفسه بل ينتشر في قلوب الذين يحبهم ويحبونه. خلقنا الله على صورته و مثاله ليحبنا ويغمرنا بفيض نعمه.

يريدنا أن نشاركه فرحه الإلهي الأبدي كما يريدنا أن نكتشف أن معنى حياتنا وأهميتها يكمن في قبوله، وحبه، ولقياه لنا، فلقيا الله ليس مجرد لقاء عادي وعابر كلقيا البشر بل هو لقاء إلهي غير مشروط: الله يريدني ويحبني، ولديّ مكانتي في العالم والتاريخ. إن قبلني الله وأحبني، وهو كذلك طبعًا، عندها أكون واثقا كل الثقة بأنني محظوظ في وجودي على هذه الأرض. ::: نحن 

حب الله اللامحدود لنا تجلى بأوضح صورة بيسوع المسيح، فيه يكمن الفرح الذي نسعى إليه. نجد في الإنجيل كيف أن الأحداث التي تشكل بداية حياة يسوع تتسم بالفرح، كحين بشر الملاك جبرائيل مريم العذراء بأنها ستكون أم المخلص بدأ بهذه الكلمات: ” إفرحي!” ( لوقا 28،1) وعند ولادة المسيح قال ملاك الرب للرعاة: “ها أنا أبشركم بخبرعظيم يفرح له جميع الشعب: ولد لكم اليوم مخلص هو المسيح الرب.” (لوقا 11،2) والمجوس الذين كانوا يبحثون عن الطفل.

 

“لما رأو النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًّا” (متى 10،2).

سبب هذا الفرح هو قُرب الله منّا فلقد تجسد ليصبح إنسانا مثلنا. تكلم القديس بولس في رسالته إلى أهل فيليبي أيضا عن الفرح قائلا: “إفرحوا دائما في الرب، وأقول لكم أيضا: إفرحوا. ليشتهر صبركم عند جميع الناس. مجيء الرب قريب” (فيليبي 4:4-5 ).

السبب الأول لفرحنا هو قربنا من الله الذي يحبنا ويحتضننا. في الواقع، يولد لدينا دائما فرح داخلي عندما نلتقي بيسوع، هذا مذكور أيضا في عدة آيات من الإنجيل. لنأخذ مثلا الزيارة التي قام بها يسوع لزكا جابي الضرائب الخاطىء وقال له: ” سأقيم اليوم في بيتك” و زكا، كما يذكر لوقا البشير

“استقبله بفرح.” (لوقا 19: 5- 6). هذا هو فرح اللقاء مع المسيح والإحساس بمحبة الله التي يمكنها أن تغير كل الوجود وتحقق الخلاص للعالم. قرر زكا إذًا تغيير حياته وإعطاء نصف ما يملك للفقراء.

 

الفرح المسيحي

يتجلى حب يسوع الكبير لنا في الآلام التي عاناها من أجلنا، ففي الساعات الأخيرة من تواجده على هذه الأرض جلس إلى العشاء مع تلاميذه وقال لهم: ” أنا أحبكم مثلما أحبني الآب، فاثبتوا في محبتي (…) قلت لكم هذا ليدوم فيكم فرحي، فيكون فرحكم كاملا” (يو 15: 9 ،11). بريد المسيح أن يحقق تلاميذه كما كل واحد منا الفرح الكامل، هذا الفرح الذي يتشاركه مع أبيه، لتظهر فينا محبة الله له (راجع يو 17 ، 26). الفرح المسيحي هو في الإنفتاح على حب الله وتسليم الذات له. قلبنا هيكل للفرح لأن الله هو مصدر فرحنا الحقيقي

يخبرنا الإنجيل أن مريم المجدلية ونساء أخريات جئن لزيارة القبر فأخبرهن الملاك بقيامة المسيح من بين الأموات، فتركن القبر مسرعات “في خوف وفرح عظيمين” وذهبن يحملن الخبر السار إلى التلاميذ، فلاقاهن المسيح وقال لهن: “السلام عليكن!” (متى 28،9:8)، لقد نلن فرح الخلاص: المسيح حي، لقد غلب الشر، والخطيئة، والموت، وهو معنا طوال الأيام إلى انقضاء الدهر (راجع متى 20،28).

لن يسيطر الشر على حياتنا لأن إيماننا بالمسيح المخلص يخبرنا بأن حب الله ينتصر دائما. هذا الفرح العميق هو ثمرة الروح القدس الذي يجعلنا أبناء الله، نلمس طيبته ونعيشها، ونناجيه قائلين “أبا”، يا أبانا ( راجع روما 15،8). الفرح هو علامة لوجود الله فينا وفي أعمالنا.
المصدر:  (ZENIT)

 

 المزيد من العظات

نحن كمسيحيين قلبنا هيكل للفرح لأن الله هو مصدر فرحنا الحقيقي

downloadsoft

How useful was this post?

Click on a star to rate it!

Average rating 4.5 / 5. Vote count: 23

No votes so far! Be the first to rate this post.

Related Articles

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker