نحن مدعوون لنكون رعاة لا بأنفسنا بل بالرب
نحن مدعوون لنكون رعاة لا بأنفسنا بل بالرب
جاء في المزمور 132، 1 ما يلي: “هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معا!”. أعتقد أنكم قد شهدتم حقيقة هذه الكلمات خلال الأيام التي قضيتموها في روما، والتي عشتم خلالها تجربة الأخوة… نحن مدعوون لنكون رعاة لا بأنفسنا بل بالرب.
العمل الأخوي
الأخوة تعززها الصداقة، من خلال التعرف وتمضية الوقت معًا، ولكن هي التي تعطى أساسًا من روابط أسرار الشراكة في مجمع الأساقفة ومع أسقف روما. فلتوجه هذه الحقيقة أي “جسد واحد” التي تشكلونها عملكم اليومي وتدفعكم إلى التساؤل: كيف نحيا روح الزمالة والتعاون في الأسقفية؟ كيف نكون بناة شراكة ووحدة في الكنيسة التي عهد بها إلينا الرب؟ الأسقف هو رجل شراكة، رجل وحدة: “مبدأ مرئي وأساس الوحدة.” (Vat. II, Lumen gentium, 23).
إخوتي الأساقفة الأعزاء، أحييكم فردًا فـردًا، أساقفة لاتين وشرقيين: أنتم تظهرون غنى الكنيسة الكبير وتنوعها! أنا أتشكر الكاردينال مارك أوليه، عميد مجمع الأساقفة، للتحيات التي وجهها إلى باسمكم، وعلى تنظيم هذه الأيام التي خلالها أنتم حجاج إلى ضريح القديس بطرس من أجل تعزيز الشراكة ومن أجل الصلاة والتفكير برسالتكم. كذلك أحيي الكاردينال ليوناردو ساندري، عميد مجمع الكنائس الشرقية، والكاردينال لويس أنطونيو تاغلي، رئيس أساقفة مانيلا، كذلك رئيس الأساقفة لورينزو بالديسيري، الذي لا يكل من العمل في تنظيم لقاءات كهذه.
“ارعوا رعية الله التي بينكم نظّارا لا عن اضطرار بل بالاختيار ولا بربح قبيح بل بنشاط. ولا كمن يسود على الأنصبة بل صائرين أمثلة للرعية” (رسالة بطرس الأولى 5، 2). فلتحفر كلمات القديس بطرس هذه في قلوبكم! نحن مدعوون لنكون رعاة لا بأنفسنا بل بالرب ولا لكي نخدم أنفسنا بل لنخدم القطيع الذي عهد به إلينا، لنخدمه إلى حد بذل حياتنا من أجله كما المسيح، الراعي الصالح. (راجع يوحنا 10، 11).
ما الذي يعنيه أن نرعى القطيع، “أن يكون لكم رعاية معتادة ويومية لخرافكم” (Vat. II, Lumen gentium, 27)؟ ثلاثة أفكار موجزة. أن نرعى يعني أن نستقبل الخراف ونسير معها ونبقى معها. الاستقبال، السير، البقاء.
1- الاستقبال
ليكن قلبكم كبيرًا لكي تستقبلوا جميع الرجال والنساء الذين تلتقون بهم يوميًّا والذين تذهبون للبحث عنهم في الرعية والجماعة التي تستلمونها. من الآن اسألوا أنفسكم: إن الذين سيطرقون باب منزلي، كيف سيجدونه؟ إن وجدوه مفتوحًا، من خلال طيبتكم، وتواجدكم، سيختبرون أخوة الله وسيفهمون أن الكنيسة هي أم طيبة تستقبل وتحب دائمًا.
2- السير مع القطيع
الاستقبال والسير. استقبال الجميع للسير مع الجميع. إن الأسقف يمشي مع قطيعه ووسطه. هذا يعني السير مع المؤمنين ومع كل الذين سيتوجهون إليكم، متقاسمين أفراحهم ورجاءهم، مصاعبهم ومعاناتهم، كإخوة وأصدقاء بل وأكثر كآباء، لديهم القدرة على الإصغاء، والفهم والمساعدة، والتوجيه. إن السير معًا يتطلب المحبة وخدمتنا هي خدمة محبة، كما يقول القديس أغسطينس.
أ – وفي هذه المسيرة، أود أن أذكّر بمودة كهنتكم، إن كهنتكم هم قريبكم الأول؛ الكاهن هو أول قريب للأسقف- أحبوا قريبكم، وهذا هو القريب الأول- متعاون أساسي مع الذي يبحث عن النصيحة والمساعدة، ويجب الاهتمام به كالاهتمام بالأب، بالأخ وبالصديق. من بين واجباتكم الأساسية، هناك الرعاية الروحية لمجمع الأساقفة، ولكن لا تنسوا الاحتياجات البشرية لكل شخص منهم، بخاصة في الأوقات الأكثر حساسية وأهمية في رسالتهم وحياتهم. إن الوقت الذي نقضيه مع الكهنة لا يذهب سدى أبدًا! استقبلوهم حين يطلبون؛ لا تتكوا مكالمة هاتفية من دون الرد عليها.
حين كنت أبشر بين الكهنة كنت أسمعهم يقولون-لست أدري إن كان صحيحًا ولكن-” اتصلت بالأسقف وليس لديه الوقت ليراني. “ولكن أرجوكم أن اتصل بكم أجيبوا بالقول: “ليس لدي الوقت اليوم لاستقبالكم ولكن سنحاول أن نحدد تاريخًا آخرًا.” أرجوكم فليشعر بأن والده يجيبه. وإلا سيظن الكاهن: “إنه لا يهتم، هذا ليس بأب بل بمسؤول قسم!” فكروا جيدًا بالأمر. سيكون قرارًا جيدًا.
ب – من ثم الحضور في الأبرشية: في عظة قداس الميرون قلت أنه يجب على الرعاة أن يعرفوا “رائحة خرافهم.” كونوا كذلك، كونوا حاضرين بين شعبكم على مثال يسوع، الراعي الصالح. حضوركم ليس ثانويًّا، بل هو لا غنى عنه. الحضور! الشعب يطالب به، هو يريد أن يرى أسقفه يمشي معه، ويكون بقربه. يحتاج إليه ليعيش ويتنفس! لا تنغلقوا! اذهبوا بين مؤمنيكم، والى ضواحي أبرشياتكم، والى كل “الضواحي الوجودية” حيث تكمن المعاناة، والوحدة، والتدهور البشري. الحضور الرعوي يعني السير مع شعب الله: السير في المقدمة، وتبيان الطريق: السير في الوسط، لتعزيز الوحدة.
جديدة نحو الله
السير في الخلف لكي لا يترك أحد في الخلف ولكن أكثر لإيجاد سبل جديدة نحو الله. إن الأسقف الذي يعيش في وسط المؤمنين له أذنان مفتوحتان ليسمع “ما يقوله الروح للكنائس” (رؤيا يوحنا 2، 7)، و”صوت الخراف” بما في ذلك عن طريق المنظمات الأبرشية التي لها مهمة تقديم المشورة للأسقف، من خلال تعزيز حوار عادل وبناء.
لا يمكننا أن نتخيل أسقفًا لا يملك هذه المنظمات الأبرشية: المجلس الكهنوتي، المستشارين، المجلس الرعوي، مجلس الشؤون الاقتصادية. هذا يعني أن يكون الأسقف مع شعبه. سيسمح لكم هذا الحضور الرعوي بأن تتعرفوا بعمق إلى ثقافة محيطكم وعاداته وتقاليده وثروة القداسة التي يمتلكها. الغوص في القطيع. نحن مدعوون لنكون رعاة لا بأنفسنا بل بالرب
ت – وهنا أود أن أضيف: إن أسلوب خدمة القطيع يجب أن يكون التواضع، وأيضًا التقشف والخدمات الأساسية. من فضلكم، نحن الرعاة لا يجب أن يكون لنا “نفسية الأمراء” أرجوكم، رجال لهم طموح أزواج للكنيسة منتظرين واحدة أغنى وأجمل. هذا أمر مثير للغضب! إن أتى أحد للاعتراف قائلا: “أنا متزوج، أعيش مع زوجتي، ولكنني أنظر دائما إلى امرأة أجمل منها: أهذه خطيئة يا أبتاه؟” جاء في الإنجيل: إنها خطيئة الزنا. هل هناك “زنا روحي؟” لست أدري، فكروا بالأمر.
لا يجب أن تنتظروا واحدة أخرى أجمل وأهم، أغنى. احذروا أن تقعوا في روح الوصولية! إنها لآفة! إنها ليست فقط بالكلمة، بل بالشهادة الملموسة لحياتنا التي نحن فيها نعلم شعبنا. يتطلب إعلان الإيمان بأن نماشي حياتنا وفق ما نعلمه. الرسالة والحياة لا تفترقان (cf. Jean-Paul II, Pastores gregis, 31). هذا سؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا يوميًّا: هل أنا أعيش وفق ما أعلمه؟
3- الاستقبال والسير
والعنصر الثالث والأخير: البقاء مع القطيع. أنا أشير إلى الاستقرار، “البقاء” في الأبرشية، والبقاء في “هذه” الأبرشية كما قلت، من دون البحث عن تغييرات أو ترقيات. إن لم نبق في الأبرشية لا يمكننا حقا كرعاة أن نعرف القطيع من خلال السير أمامه أو في وسطه أو خلفه، والاعتناء به من خلال التعليم، والأسرار، وشهادة الحياة. في هذا المعنى، فإن مجمع ترنت معاصر جدًّا: الإقامة.
يسمح لنا عصرنا بالسفر والتنقل بسهولة من مكان إلى آخر، إنه عصر أصبحت فيه العلاقات سريعة، إنه عصر الإنترنت. ولكن قانون الإقامة القديم ليس خارج الماضي! بل هو ضروري لرعوية جيدة. (Directoire Apostolorum Successores, 161).
بالطبع يمكن أن يغيب الأسقف عن الأبرشية ولكن لفترة محدودة. إذا أترون الإقامة لها جذور لاهوتية! أنتم أزواج جماعتكم، متصلين بها بعمق! أرجوكم أن تبقوا وسط شعبكم. ابقوا.. ابقوا.. لا تكونوا فضيحة “أساقفة المطارات”! كونوا أساقفة مرحبين، سائرين مع شعبكم، بمودة، ورحمة، وبحزم أبوي، وتواضع وأن تستطيعوا أن تروا حدودكم ويكون لديكم حس الفكاهة. إنها نعمة يجب أن نسألها نحن الأساقفة: يا رب أعطني أن أتحلى بحس الفكاهة. جدوا وسيلة الضحك من أنفسكم ومن ثم من الأشياء. وابقوا مع قطيعكم.
أيها الإخوة، بعودتكم إلى أبرشياتكم، انقلوا سلامي للجميع، بشكل خاص إلى الكهنة، والمكرسين والمكرسات، والإكليريكيين، والى كل المؤمنين والى أولئك الذين يحتاجون بشكل أكبر للتقرب من الله. إن حضور، كما قال الكاردينال أوليه، أسقفين سوريينيدفعنا أيضًا مرة أخرى لنطلب معا من الله نعمة السلام. السلام لسوريا، السلام للشرق الأوسط، السلام للعالم! أرجوكم، لا تنسوا أن تصلوا من أجلي، وأنا سأصلي من أجلكم. من أجل كل واحد منكم وكل جماعة وأعطيكم بركتي الرسولية من كل قلبي.
كلمة البابا فرنسيس التي ألقاها أمام الأساقفة الذين استقبلهم يوم الخميس 19 أيلول في القصر الرسولي في الفاتيكان.
نقلته إلى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية
المزيد من التأملات الروحية
- كيف يؤمنون بالمسيح وما سمعوا به؟
- ارجعوا للرب بالتوبة والندامة لأن الآتي سيكون فظيع
- بآلام المسيح وموته على الصليب جرى دم الغفران على البشرية جمعاء
- صليب المسيح هو الكلمة التي بها رد الله على شر العالم
- إرجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح
رسالة خاصة من يسوع لكل قلب وكل روح