ينبغي أن يكرز في هذا الشرق بانجيل الملكوت
ينبغي أن يكرز في هذا الشرق بانجيل الملكوت
“ويكرز بإنجيل الملكوت في المسكونة كلها شهادة لجميع الأمم” (متى 14: 14
زمن الصليب يحتوي على بعدين: الأول، هو زمن يفتح عقولنا وقلوبنا إلى النهايات والواقعات الجديدة بعد الموت ونهاية العالم والأزمنة، ويسمى Eschatologia، وبالتالي انتظار مجيء المسيح الثاني وظهوره بالمجد ديانًا،
ويسمى Parusia، أما البعد الثاني، فهو زمن الكنيسة المجاهدة لكي تبني ملكوت الله على الأرض وسط المحن والمصاعب والاضطهاد، فتنشر إنجيل الحقيقة والمحبة وتعمل على إحلال العدالة والسلام. هذا ما يدعونا إليه الرب يسوع في إنجيل ليوم: وسط التضليل والنزاعات والمصاعب والتباغض، “يكرز بإنجيل الملكوت في المسكونة كلها شهادة لجميع الأمم” (متى 14: 24)
أننا نصلي بنوع خاص اليوم من أجل الكنيسة بكل أبنائها وبناتها ومؤسساتها لكي تدرك أنها تنتمي في هذا الزمن إلى الكنيسة المجاهدة التي وسط الصعاب عليها أن تعلن إنجيل الخلاص. ونصلي، مع قداسة البابا فرنسيس، ومعكم، من أجل الاستقرار السياسي والأمني في لبنان، والسلام في سوريا ومصر والعراق، ومن أجل حلّ النزاعات القائمة بالتلاقي والحوار والتفاوض والتفاهمات السياسية، بعيدًا عن العنف والحرب والإرهاب.
إنجيل الملكوت هو إنجيل الشركة ببعديها العمودي والأفقي
أي الاتحاد بالله، عموديًا، بسماع كلام الحياة، والصلاة، وممارسة أسرار الخلاص، والعيش في حالة النعمة، المعروفة بالصداقة مع الله. والوحدة بين جميع الناس، أفقيا، بروح الأخوة والتضامن والترابط والعمل على إنماء الشخص البشري والمجتمع. بلدان الشرق الأوسط، التي تمزقها النزاعات السياسية والحروب، مع ما يرافقها من سقوط ضحايا بريئة وتهجير عائلات بالملايين وتشريدها من دون شفقة.
حيث تتنامى فيها الأصوليات الإسلامية المشوّهة لجوهر الإسلام، والمعادية للمسيحية المشرقية، من دون سبب سوى أنها حركات تكفيرية، تحركها دول لأغراض سياسية واقتصادية في المنطقة، بحاجة ماسة إلى إنجيل الملكوت الذي وصفناه، ولا سيما إنجيل كرامة الشخص البشري، وقدسية الحياة وسلطة الله الوحيدة عليها وعلى مصير الشعوب، إنجيل الحقيقة التي تجمع وتحرر، إنجيل العدالة التي تعطي كل إنسان وكل مواطن حقوقه الأساسية التي تقرّها شرعة حقوق الإنسان.
إنجيل السلام
الذي يوفر كل ما يحتاج إليه الناس من خيرات الله والأرض لكي يعيشوا بكرامة ويحققوا ذواتهم، ويجدوا مشروعهم الشخصي في الحياة. وقد علمنا اليوم عبر وسائل الإعلام بسقوط عشرات الشهداء المسيحيين في كنيسة استهدفها انفجار في مدينة بيشاور في باكستان. فمن أجل هذا السبب يحتاج العالم اليوم إلى إنجيل يسوع، وينبغي أن يُكرز بهذا الإنجيل لان لا حياة للشعوب من دون هذا الإنجيل الذي هو يسوع المسيح لخلاص كل إنسان.
إن الإرشاد الرسولي، الذي وقّعه قداسة البابا بندكتوس في بيروت، منذ سنة، وعنوانه: “الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة”، وأطلق معه من لبنان نداء السلام لبلدان المنطقة، يرسم لنا خريطة الطريق، لكي نصمد كمسيحيين في أوطاننا العربية، ونحن فيها مواطنون أصليون واصيلون منذ ألفي سنة.
هذا الإرشاد يجعلنا نحن المسيحيين أن نقلق ولكن دون أن نخاف لأن الرب يردد دائما في الإنجيل: “لا تخافوا أنا هو”، فندرك أن وجودنا في بلداننا المشرقية مُراد من الله، ويندرج في صميم تصميم الخلاص الإلهي. فحالة عالمنا العربي، شبيهة جدًا بأوصاف الواقع الذي يتكلم عنه الرب في إنجيل اليوم. لذا ينبغي أن “يكرر في هذا الشرق بإنجيل الملكوت”.
فيطلب من المسيحيين في شرقنا أن يكونوا بمثابة خميرة في العجين، فيحوّلون واقع التضليل إلى حقيقة جامعة، وواقع النزاع والتباغض إلى مصالحة وتفاهم وتقارب، وواقع الحرب والعنف إلى سلام وإخاء، وواقع التعصّب والأصولية إلى تسامح واعتدال، وواقع الظلم والاستبداد إلى العدالة والإنصاف. أجل، يقول لنا الرب اليوم: “يُكرز بإنجيلي للشهادة أمام الأمم”. آمين
عظة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي -كنيسة مار مارون –
روما، الأحد 22 أيلول 2013 بكركي
المزيد من التأملات الروحية
- يسوع ليس بعد في الماضي ولكنه يحيَّ ويمضي متطلعا للمستقبل
- أين أنا من ارتباطي بالكرمة؟
- عظات روحية مسيحية متنوعة من أقوال أباء الكنيسة
- عطش وحياة – تأمل مسيحي يروي العطش الروحي
- ما هو الصليب وكيف تدرك سره وتؤمن بحقيقته؟
- الحب الإلهي في سفر نشيد الأناشيد بقراءة روحية
- كيف نصلي ونشعر بقوة ولمسة الله في حياتنا ؟
ما هو وضع المسيحيين في الشرق الأوسط فهل من منقذ؟