ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح (يو 2: 12)
ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح (يو 2: 12)
مقدمة
تعد هذه الآية الكتابية “إرجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح (يو 2: 12)” من الآيات الهامة في الكتاب المقدس. تحمل هذه الآية رسالة مهمة وعميقة التأثير تدعونا إلى التوبة والرجوع إلى الله بكل قلوبنا وأرواحنا. في هذا المقال، سنقوم بشرح معاني هذه الآية وما يمكن أن نستخلصه منها في حياتنا اليومية.
المعنى العميق للآية
عند النظر إلى هذه الآية، نجد أنها تحثنا على العودة إلى الله بكل قلوبنا وبكل ما نملك. الرجوع إلى الله هو فعل توبة حقيقي يتطلب منا تحولًا شاملاً في حياتنا، بدءًا من القلب وصولاً إلى الأفعال اليومية.
أهمية العودة إلى الله بكل قلوبنا
عندما نعود إلى الله بكل قلوبنا، نعيد توجيه حياتنا بناءً على إرادته ومبادئه. ندرك أننا أبعدنا أنفسنا عنه وعن طريقه، وندرك أن الحقيقة الحقيقية للسعادة والرضا تكمن في العودة إلى الله والتقرب منه. إن الله هو المصدر الحقيقي للسلام والحب والفرح، ومن خلال العودة إليه بكل قلوبنا، نتواصل مع هذه القوة الروحية العظيمة.
دور الصوم والبكاء والنوح في التوبة
الوصية الأولى في الكتاب المقدس هي وصية صوم وردت في سفر التكوين. ويقول الله لآدم: “لا تأكل”. (تك 17: 2) تقول الآية: أما من شجرة معرفة الخير والشرّ لا تأكل فإنك يوم تأكل منها موتاً تموت. وفي (تك 3: 4-5) قالت الحية لحواء: لن تموتا، لكن الله عالم أنكما في يوم تأكلان منها تنفتح أعينكما وتصيران كآلهة عارفي الخير والشر.
لقد طرد الرب آدم وحواء من الفردوس لأنهما أكلا من الشجرة فسقطا وصارا مريضين جسدياً ونفسياً بسبب الخطيئة التي فصلتهم عن نعمة وبركة الرب (وأعني بالمرض أي الوقوع في الخطيئة، لأن المرض كان بسبب الأكل. (أي الوقوع بشهوة العين والمعدة) ندانا الرب في إنجيل يوحنا بقوله: “ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح (يو 2: 12)”.
تذكرنا هذه الآية بأهمية الصوم والبكاء والنوح في مسيرتنا الروحية. فالصوم يساعدنا على التركيز على الالصوم والبكاء والنوح في التوبة
الصوم، بوصفه تحديًا للنفس والجسد، يعمل على تطهيرنا وتحريرنا من الرغبات الشهوانية والغرائز البشرية. إنه فرصة لتقوية الإرادة والتحكم في النفس، وتعزيز الروحانية. من خلال الصوم، نقدّم تضحية لله ونعبر عن اعتمادنا الكامل عليه.
أما البكاء والنوح، فهما تعبير عن الحزن والندم العميق على الخطايا والأخطاء التي ارتكبناها. يعملان على تنقية الروح والتوبة الحقيقية. يعكسان إدراكنا للخطايا وتأثيرها الضار على حياتنا وعلى العلاقة بيننا وبين الله. إنهما نداء للتوبة الصادقة والتغيير العميق في سلوكنا وتصرفاتنا.
أهمية شرح الآية
إن شرح الآية وفهم معانيها يعتبر أمرًا بالغ الأهمية، حيث يساعدنا على تطبيقها في حياتنا اليومية. إنها تدعونا إلى التفكير في حالتنا الروحية والنظر فيما إذا كنا بحاجة إلى التوبة والعودة إلى الله بكل قلوبنا. تذكرنا بأهمية الصوم والبكاء والنوح كأدوات للتوبة وتنقية الروح. وبالتالي، فإن شرح هذه الآية يساعدنا على الارتقاء الروحي والتقدم في طريقنا نحو الله.
“لا تأكل”. (تك 17: 2)
يجب علينا أن نصوم كي نشفى من أمراضنا وهفواتنا فننتصر على ضعفاتنا… فالصيام هو إذلال النفس والجسد يؤدي إلى التواضع وهو شرط لدخول الملكوت. من فوائد الصوم الانضباط فيه الإصرار لكي يكون هذا الصوم سبب بركة وشفاء وقوة لحياتنا مع المسيح يسوع الذي تألم وصلب ومات من أجلنا.
إن هذا الصوم الذي يمارسه الإنسان المؤمن يؤدي ليس فقط إلى تطهير أو تنقية للجسد والروح بل يؤدي إلى أكثر من ذلك. إلى الصحو واليقظة بأن يصبح الإنسان في حالة يقظة وحالة انتباه. “الصوم هو إخصاء لرغبات الجسد. ابتعاد عن الأفكار الشريرة. تحرر من التخيلات المذنبة، طهارة الصلاة. نور للنفس، يقظة العقل”. الصوم يعطي يقظة للعقل والقلب معا.
تطبيقات الآية
إرجاع القلوب إلى الله بكل تفانٍ، الصوم، البكاء والنوح هي عناصر روحية تدعونا للتوبة الحقيقية والاستجابة لله بطريقة شاملة. هناك عدة تطبيقات عملية يمكننا استخلاصها من هذه الآية:
- التوبة الصادقة: يُذكرنا هذا النص بأهمية التوبة الحقيقية والعودة إلى الله بكل قوتنا وتفانينا. يجب أن نكون على استعداد للتخلص من الخطايا وتحويل حياتنا بالكامل لتتماشى مع إرادة الله. علينا أن نقدم قلوبنا بصدق واستعداد تام لله، متخلين عن كل ما يحول دون علاقتنا بالله.
- الصوم والتضحية: يعتبر الصوم وسيلة قوية لتعزيز التوبة والاستجابة لله. من خلال تجربة الصوم، نتحكم في شهواتنا الجسدية ونركز على الأمور الروحية. إنها فرصة لنقيّم أولوياتنا ونوجه تركيزنا نحو الله بشكل أعمق.
- التوبة المؤلمة: يدعونا البكاء والنوح إلى التذلل أمام الله والاعتراف بخطايانا. إنها فرصة للندم العميق والرغبة في التغيير. يجب أن نكون مستعدين للتخلص من الأمور التي تحبسنا في خطايانا ونبكي ونندب قلوبنا بسببها. إنها فرصة لتجديد الروح والتقرب من الله.
- الاستجابة والتحول: بشكل عام، تدعونا هذه الآية للاستجابة لدعوة الله وتحويل حياتنا بشكل شامل. عندما نعود إلى الله بكل قلوبنا ونمارس الصوم والبكاء والنوح، فإننا نفتح أبواب التجديد والتحول الروحي. يجب أن نكون على استعداد لتغيير نمط حياتنا وأولوياتنا وأفكارنا لنتجه نحو الله بشكل أعمق وأكثر تفانيًا.
عودة القلوب إلى الله
عندما يطلب الله منا أن نعود إليه بكل قلوبنا، فإنهيدعونا إلى إعادة توجيه اهتمامنا وتفكيرنا نحوه. فالقلب في الكتاب المقدس يرمز إلى مركز الشخصية والعواطف والإرادة. إذا كان قلبنا متعلقًا بأمور الدنيا والمتاعب والشهوات، فإننا لن نتمكن من التوجه إلى الله بصورة صحيحة. لذلك، يتعين علينا أن نعيد توجيه قلوبنا ونركزها على الله ورغبتنا في الاقتراب منه.
يعني العودة إلى الله بكل قلوبنا أيضًا أن نكون مخلصين له بكل تفاصيل حياتنا. يجب أن نعيش وفقًا لمبادئه وتعاليمه، وأن نستعيد علاقتنا المتواضعة معه. يجب أن نسأل أنفسنا: هل قلوبنا مليئة بالمحبة والتسامح والتواضع والإيمان؟ هل نعيش حياة متوازنة ومتواضعة تليق بمقام الله؟ إنها أسئلة مهمة يجب أن نتوقف عندها ونراجع أنفسنا بصدق.
القلب هو مركز الإنسان. لهذا فمن المهم أن نصوم عن الطعام والأشياء الأخرى لكي ننتصر على طبيعتنا الجسدية الضعيفة والميالة إلى السقوط دائماً، بفترة الصوم المباركة إذا مارسناها بانتظام لهدف التطهير وتنقية الذات عندها يكون الصوم الدواء الشافي للنفس والجسد من كل أمراضه وضعفاته. ليعود ويتماسك من جديد ويسير بدرب الرب بخطوات واثقة وثابتة بمعونة وحلول الروح القدس الذي يساعد المؤمن للانتصار على الجسد.
تطبيق الآية في حياتنا اليومية
“إرجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح” (يو 2: 12) هي دعوة مستمرة لنا للتوجه إلى الله وإعادة توجيه حياتنا نحوه. لذا، دعونا نلقي نظرة على كيفية تطبيق هذه الآية في حياتنا اليومية:
1. العودة إلى الله بصدق
نحن بشر نخطئ ونسقط في الخطايا، لكن الله يدعونا إلى العودة إليه بصدق ونقاء القلب. لذا، لنكن صادقين في توبتنا ونعترف بذنوبنا بصراحة أمام الله. لا نخفي شيئًا عنه، بل نكن صريحين في الندم والتوبة.
2. ممارسة الصوم والتركيز الروحي
نقوم بممارسة الصوم كوسيلة للتركيز الروحي وتطهير أنفسنا. لا نقتصر الصوم على الأكل والشرب فقط، بل نمتنع عن كل ما يشغلنا عن الله ويثقل قلوبنا. نستغمن الشهوات الجسدية ونركز على الأمور الروحية. يمكننا تخصيص وقت خاص للصلاة والقراءة الروحية والتأمل، وذلك لتعزيز علاقتنا مع الله وتقوية روحنا.
3. التواضع والندم العميق
نتواضع أمام الله ونعترف بضعفنا وعجزنا. نتأمل في خطايانا ونشعر بالندم العميق على ما قد أخطأنا فيه. نرفع أنفسنا إلى الله ونستعين برحمته ومغفرته. إن الاعتراف بضعفنا يفتح الباب أمام عمل الروح القدس في حياتنا ويعمل فينا التغيير والتجديد.
4. التطبيق العملي للمبادئ الروحية
ليست “إرجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح” مجرد كلمات نقرأها، بل هي دعوة للتطبيق العملي. يجب أن نعيش حياة مستقيمة ونطبق المبادئ الروحية في كل جانب من جوانب حياتنا. نعمل على أن نكون محبين ومتسامحين ومتعاطفين، وأن نتعامل بصدق وعدل مع الآخرين. نعتني بعلاقاتنا ونكن صداقات طيبة ومثمرة.
ختامًا
إن الآية “إرجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح” (يو 2: 12) تحمل في طياتها دعوة قوية للتوبة والتحول الروحي. من خلال استجابتنا لهذه الدعوة، نتمكن من إعادة توجيه حياتنا نحو الله وتجديد الروح والعودة إلى الحب والقرب منه. علينا أن نكه. علينا أن نقدم قلوبنا بصدق واستعداد تام لله، متخلين عن كل ما يحول دون علاقتنا بالله.
إخوتي في نهاية كلامي أتمنى لكم أوقات سعيدة ومباركة مع الرب. ليكن الصوم في حياتكم ليس بالامتناع عن الأكل والشراب وقهر الجسد فقط. إنما أيضاً بالصوم ‘عن الكلام السيئ والبذيء وعن الأفعال الغير لائقة وكل ما هو غير طاهر وصالح في حياتكم.
المزيد من التأملات الروحية
- رسالة خاصة من يسوع لكل قلب وكل روح
- طريق العودة إلى الله والرجوع عن الخطيئة والتوبة إليه
- رسالة ميلادية من مسيحيي سوريا إلى طفل المغارة
- هلم إلى الطفل يسوع في المغارة – تأملات ميلادية
- السنة الإيمانية للعودة إلى الجذور والتجدد
- علمني يا رب أن أصلي فأنا بحاجة إليك
- الصلاة قلب يتحد بقلب الله
- الشيطان يزرع الحرب أما الله يخلق الفرح والسلام
رسالة يسوع – من كان له أذنان سامعتان فليسمع