التهديد حقيقي للوجود المسيحي في بلدان عديدة من العالم العربي
التهديد حقيقي للوجود المسيحي في بلدان عديدة من العالم العربي
كلمة سيادة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي
أكد البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي أن الوضع في الشرق الأوسط، يشهد تحولا خطيرا خصوصا بعد ظهور الحركات الأصولية التي طغت على الحركات الشعبية المطالبة بالإصلاحات وبالديمقراطية. ووسط هذا الوضع، دفع المسيحيون الثمن الأضخم، وبات حضورهم في هذه المنطقة والذي يعود إلى زمن السيد المسيح مهددا بخطر كبير. ويرى أن التهديد حقيقي للوجود المسيحي في الشرق.
كلام غبطته جاء في خلال مداخلة له ألقاها كمتحدث رئيسي في المؤتمر السنوي الخامس “للشبكة الدولية للمشرعين الكاثوليك” The International Catholic Legislators Network ICLN، الذي عقد في روما بدعوة من رئيس أساقفة فيينا الكردينال كريستوف شونبورن ومشاركة عدد كبير من البرلمانيين والشيوخ والوزراء والمسؤولين السياسيين في عدة دول منها:
الولايات المتحدة الأميركية، المكسيك، ليتوانيا، بريطانيا، إيطاليا، الأرجنتين، أستراليا، كندا، فرنسا، تشيكيا، ألمانيا، هنغاريا، إيرلندا، كينيا، مقدونيا، البيرو، بولندا، البرتغال، كوريا سلوفاكيا، هولندا، إسبانيا، زمبابواي، سلوفينيا والنمسا.
وقد تركز المؤتمر حول المسيحيين في الشرق الأوسط وتحديات هذه المرحلة من حياة المنطقة. وتابع غبطته عارضا بإيجاز لوضع المسيحيين في المنطقة وقال: ” إن الهجمة على المسيحيين في العالم اليوم تم توثيقها بالوقائع، وأصبح التهديد حقيقي للوجود المسيحي في بلدان عديدة من العالم العربي وتحديدا في مصر والعراق وسوريا أمام ما نبت من منظمات تكفيرية كداعش وغيرها. لقد تمت مهاجمة المسيحيين وأجبروا على ترك بلدانهم التي عاشوا فيها كمواطنين أصيلين منذ أكثر من 2000 سنة.
هذا النزوح الجماعي سيحرم المنطقة من غناها الإنساني والثقافي والعلمي والاقتصادي والوطني. وفي الوقت عينه فإن هذا الأمر يشوه صورة الإسلام لأنه يرتكب باسم الدين والله ويظهره للعالم وكأنه دين ينبذ التنوع ويضطهد كل من اختلف عنه. أضف إلى ذلك ما نشهده من صراع مفتوح بين مذهبي السنة والشيعة وسقوط لآلاف الضحايا الأبرياء من الطرفين.
“وتابع غبطته:” أنه وضع مؤلم جدا والأكثر إيلاما منه هو هذا الصمت في المواقف الرسمية الإقليمية والعالمية وبصورة خاصة الموقف الصامت للسلطات الإسلامية روحية كانت أم سياسية كذلك الموقف الدولي الفاتر حيال كل الأحداث التي حصلت. المأساة العظيمة اليوم هي تلك التي عاشها مسيحيو العراق وتحديدا الموصل حيث هجر نحو 13 بلدة مسيحية من سهل نينوى إضافة إلى ذلك ما حصل أيضا للإيزيديين وغيرهم من الأقليات.
كل هؤلاء الناس تم اقتلاعهم من بيوتهم على يد “داعش” فتركوها وهربوا عزل لا يملكون شيئا سوى ما يلبسون. لقد دنسوا كنائسهم وأضرحتهم ومساجدهم وزرعوا الألغام في منازلهم وعلى طرقاتهم. هؤلاء المسيحيون هم كلدانيون وسريان وآشوريون، أرمن وانجيليون. لقد لجأوا إلى أربيل وغيرها ونحن نشكر كل من استقبلهم وساعدهم ونقول إنه من الضروري جدا الآن ونحن على أبواب فصل الشتاء أن نؤمن لهم المساكن ونساعد أبناءهم على متابعة تحصيلهم العلمي.”
وختم غبطته عارضا لعدد من الحلول التي يمكن استخدامها لإنهاء مأساة هذا الشرق فطالب بوضع حد للتنظيمات الإرهابية. وأشار إلى أنه يجب على” الدول الإسلامية أن تتحرك وتساعد على وضع حد لهذه التنظيمات لأنه لا يمكنها البقاء كمراقب صامت حيال ما يجري.
فهذه التنظيمات الإرهابية كداعش وغيرها تؤذي الإسلام وتشوه صورته. “ثم دعا إلى “إنشاء قوة عسكرية بإشراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوضع حد للهجمات وللإجتياحات التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية، وممارسة الضغط من قبل الأسرة العربية والدولية على كل من يمول أو يساعد أو يدرب هذه التنظيمات، دعم الوجود المسيحي في الشرق الأوسط لحماية الحوار بين الأديان والحفاظ على التعايش بين الثقافات والحضارات.”
وظهرا التقى غبطته أمين سر حاضرة الفاتيكان الكردينال بييترو بارولين الذي توجه بكلمة ترحيب وتحية إلى الكردينال الراعي والكردينال شونبورن مثنيًا على أهمية المؤتمر الذي يشكّل علامة رجاء وأمل في عالم مظلم، وقال متوجهًا بكلمة روحية تأملية إلى المشاركين: “أرحب بكم جميعا. أنا سعيد لوجودي معكم، أنتم المشرعون والزملاء المشاركين والملتزمين بحماسة في الحياة السياسية والعامة في بلدانكم ومجتمعاتكم المحلية، أنتم من تتغذى وتنقاد مهنته الاحترافية وفق إيمانكم الكاثوليكي.
أود أن أشكركم على عملكم لتعزيز الشهادة المسيحية في العالم. أنا أعلم أنكم هنا بسبب حماستكم لـ”مدينة الأرض” التي تطمح إلى التمسك بالجذور المسيحية والفضائل والقيم الأصيلة في المجتمعات حول العالم لكي نبلغ معا ” مدينة الله”. لقد احتفلنا يوم أمس بعيد القديس أوغسطينوس الذي ندين له بصورة هاتين المدينتين. التاريخ لا لبس فيه وهو يعنى بحركة حبين والصراع بينهما. أنهما حبان_ كما كتب_
يساهمان في نمو مدينتين: الأولى أرضية تحب نفسها وهي لا تبالي بالله حتى، والثانية سماوية تحب الله ولا تهتم بذاتها. (the city of god, xiv, 78 (وفي الأوقات الصعبة حيث الصراعات المتواصلة والثورات الهائلة، تماما كما حصل في خلال سقوط روما واجتياح الواندال الذين حاصروا الهيبو، في هذه الأوقات العصيبة التي كان اغوسطين يسلم فيها الروح، فهو لم يفقد شجاعته وإنما حيال هذا الصراع استعان بإيمانه كمفتاح لترجمة ما يحدث. وقدم عملا كاملا هو “مدينة الله” لكي يتعلم الآخرون كيفية فهم الظروف الحالية وإنشاء نظام جديد للعيش في المجتمع.
إنها دراسة متناغمة مع منطق الحكمة وهي تضع قلب الإنسان في المركز الرئيسي وتظهر الطبيعة الحقيقية للرجاء المسيحي. وأنا أؤمن أنه في أوقاتنا الصعبة أيضا، تظهر العلامات القيمة بوضوح من خلال تجارب وتعاليم القديس أوغسطينوس. أصدقائي الأعزاء، يمكننا القول من دون تردد، أن الكنيسة بحاجة إليكم لرسالتها العالمية، وفي المقابل أنتم بحاجة إلى الكنيسة كأم ومعلمة للجميع. ووسط تنوع خدماتها للعالم، للكنيسة مهمة واحدة وهي ربط كل شيء بالمسيح. ولهذه المهمة الكنيسة بحاجة إليكم، أنتم المشرعون الكاثوليك الناشطون لأن عملكم هو جزء حيوي من العلمانية الرسولية.
كتب قداسة البابا فرنسيس أنه علينا أن نبذل جهدنا “لإضاءة شعلة في قلب هذا العالم”. وهذا يعني من خلال كلماتكم، شهاداتكم، تشريعاتكم وسياستكم المبنية على الإيمان. أنتم مدعوون لبناء وتعزيز مجتمعات عادلة ترتكز على كرامة الإنسان. الكنيسة تعلم أن عملكم ليس بالأمر السهل.
إنها تتفهم التهديدات الكثيرة التي تواجه حياة العائلة وهي على شكل سياسات أو قوانين تسمح لا بل تسرع عملية تفكك العائلة. كما أنها مدركة تماما للحاجة الماسة إلى التخفيف من البؤس والفقر ودعم النمو المتكامل للمجتمعات التي يعاني أبناؤها من الإهمال.
وكما أن الكنيسة بحاجة إليكم، كذلك أنتم بحاجة إليها. وهي تضع في تصرفكم أسرارها ومشوراتها الحكيمة وتعهدها بالحقيقة الأخلاقية للشرع الطبيعي. كما أنها تدعم مبادراتكم المستمرة في خدمة الخير العام من خلال تطبيقكم للقانون.
وفي هذا الشأن فان قداسة البابا والأساقفة يشجعون عملكم لخدمة ملكوت الله على الأرض بالاتحاد مع رسالتهم كرعاة.” ثم كانت خلوة بين الكردينال الراعي والكردينال بارولين تركزت حول الأوضاع في الشرق الأوسط ودور الفاتيكان الدبلوماسي في المساعدة على إيجاد الحلول والمحافظة على الحضور المسيحي في الشرق الأوسط وإرساء السلام العادل والشامل الأمر الذي يحرص الكرسي الرسولي على تطبيقه كما أكد أمين سر الدولة.
وبعد ظهر اليوم ترأس الكردينال الراعي جلسة مناقشة الأوضاع في الشرق الأوسط ودور القوى السياسية والمجتمع المدني في دعم قضايا لبنان والشرق الأوسط فأكد على أهمية التعددية والغنى الثقافي والحضاري الذي ميز الشرق بفضل حوار الأديان والتفاعل الإيجابي المسيحي المسلم الذي يحمل رسالة مشرقة للعالم أجمع مؤكدا على وجوب المواجهة المشتركة لكل أشكال الإرهاب والتطرف والأصوليات التي تعادي الديان.
المصدر: زينيت
مواضيع ذات صلة
- شهادة ثلاثة مسلمين تركوا الإسلام وعبروا إلى نور المسيح
- إكرام الأهل واجب لأن وصية الرب تقول أكرم أباك وأمك
- هل أصبح الحيوان أرحم من الإنسان؟
- هل مات الضمير ولم يعد له وجود بين البشر؟
- كيف نجاهد بالمحبة لإعلان كلمة الله؟
تنظيم داعش الإرهابي يعدم 12 مسلماً اعتنقوا المسيحية