الثالوث الأقدس – الله ليس بعيدًا عنا لكنه معنا
الثالوث الأقدس – الله ليس بعيدًا عنا لكنه معنا
عندما يُذكر الله الثالوث، تذهب بنا المخيّلة إلى فوق، نفكر في الله الثالوث وكأنّه شيء مفصول عنا، الثالوث فوق، ونحن في الأسفل نعيش ونفكر في الله الثالوثي، هذا تصوّر آخر خاطئ وخطير ويسبّبُ الارتباك والحيرة، لا نقدرُ أنْ نفكّر في الله الثالوث إلا فينا، لأننا نحيا، ونعيشُ الثالوث.
فالاختلاف الموجود في الله، هذا الاختلاف السري العجيب هو في اتجاهنا، الله ليس بعيدًا عنّا، لكنه معنا، في أحشاءنا وفي كياننا، إلى درجة أنه من كثرة العلاقة والالتصاق الزائد معه، نصبح واحدا، مع احترام خصوصيّة كلّ شخص.
الله والإنسان كائنَين مختلفَين، لكن باختلافهما يقوى الحبّ، وهذا هو أساسُ الحبّ، الاختلاف. فكثيرٌ من علاقاتنا وصداقاتِنا تفشلُ وتقعُ في الغموض والدوار واليأس والمشاكل بسبب عدم قبولنا الاختلاف. فلا يحقّ لي أن أقبلَ شخصًا يكون متشابهًا معي، فإني هنا سأمتلكهُ لي فقط، وهذا ليس حبًّا أبدًا، ولا يظهر الله كثالث يَسندُ ميزانَ العلاقة، بل ككائنٍ حِشريٍ يتدخّلُ في حياتِنا.
ما هو الثالوث الأقدس وما عمله عبر التاريخ
الله، لا نعرفه إلا كثالوث عمله في التاريخ عملٌ ثالوثي، المنطق والعقل لا يريدان أن يرفعا هذا الشمع الذي يغطّي أعيُنهما، لأنه كما ذكرنا، في الفقرة الأولى من هذه الشذرات، المنطق.
يبحثُ عن الدقّة التاريخيّة العلميّة الظاهرية، كما يفعل المؤرّخ، ويبحث عن البراهين والتحاليل التجريبيّة، كأنه في مختبر فيزيائي يريد تحضير عمليّة ما، ليستنتجَ بعد ذلكَ ما سيحدث،
أما يعرف ما سيحدث أو تسقط نظريته التي بناها على الورقة في الفخ. الدقّة العلميّة صعبة التحديد، في مجال الدين واللاهوت والله، ولا يمكنُ تَكرارَ التاريخ أو أحداث التاريخ، ومواقف البشر، والعلاقات، ووضعِها في صحنِ المختبر الفيزيائي، لإظهار نتيجة، فقط لإرضاء غرور وخبث العلماء…!
الله، ليس نظريّة رياضيّة يمكنُ بواسطته تجميعَ المعلومات الدقيقة في ورقة ما، وعمل الملاحظات العامّة، والمبرهنات الحسابيّة، مع كون الخطأ والصواب مسموحًا بهما في هذه العمليّة، لكي نصلَ في الآخر إلى إظهار من هو الله الواحد. عندما نقول أو يقال لنا، إن الله واحدٌ أحد، يجب بالأحرى، فهم معنى هذا القول والتصريح، وأيضا – وهذا هو المهمّ والأكثر واقعية في معرفتنا لله – إظهار كيف عرفت وأيقنت الشعوب والديانات أن (الله واحدٌ)، وما معنى الوحدة هذه..؟
فنحنُ كما قُلنا وذكرنا سابقًا وألححنا، لا نعرفُ الله تمامَ المعرفة، وإذا كنّا اليوم في هذا الزمن المؤلم والمتراكض المتقلّب، زمنّ الماديّات والأحقاد والغيرة وكسب المال وقتل النفوس الطيبة، لا نعطي اعتبارا لله ولو قليلا، فكيف نأتي ونعترف هكذا ونقرّ (أن الله واحدٌ أحد)، من أين أتتنا هذه الفكرة، أو بالأحرى لا نسمّيها فكرة، بل حقيقة الله الواحد، وحدانية الله.
العقلانيون وما شابههم
يريدون إثباتات ودلائل تاريخية ومنطقية، ولا يؤمنون بالعقائد التي، في تصوّرهم، هي من صنع الإنسان. هم علماءٌ متفتحون أصحاب دلائل آثارية بحتة. فكيف يفهمون الله الواحد الأحد.؟!
العلماء يؤمنون بالنتائج التي تعتمد على الدراسات والدقائق التاريخية والآثارية، لكن نحن لا نبغي هذا أبدا، لأن التاريخ له سمات عديدة، ومنها عدم الدقة. ومصطلح “تاريخ” بشكل واضح، لا يمكن أن يستعمل -ببساطة – للدلالة على الماضي، أو ما حدث في الماضي. التاريخ – بالأحرى – هو نتاج التخيّل والإدراك البشريين.
إذا هو نشاط تفسيري. المعرفة التاريخية هي مثل الغربال، الذي يحتفظُ بالقطع الكبيرة ويترك القطع الصغيرة لتترشّح عبره. ذكرنا، أن الله ليسَ كائن جامد صلب، بل هو حيٌّ، كائن شخصي. وهنا، يجب أيضا أن لا نصطدم في جدار عال، (الشخص)
الإنسان إذا كان شخصا، فالله ليس شخصا كالإنسان
أرى أنا من جهتي، أن الإنسان إلى هذه اللحظة من الزمن، لم يصبحُ إنسانا وشخصا بعد إلا قليلا، أنه باق في صفة الفردانية (الفرد)، باق كرقم وحيد وفردا ضائعا، فكيف يمكن أن يفهم ذاته وما حواليه، وإذا لم يكن بمقدوره فهم نفسه والعالم كفرد وحيد، فكيف بالأحرى يقدر أن يفهم الله، الذي هو، ليس موضوع فردانية صرفه مستوحشة، لكن شخصٌ حي وعلائقي ذا خصوبة كبيرة جدا…؟!
يعلّق كارل رانر، بخصوص فهم العقيدة الأساسية التي هي عقيدة الثالوث، في الاعتراف بوحدانية الله، لا يتعلق الأمر أولا، بإعلان ما ورائي، وإن كان مثل هذا الإعلان متضمّنا حتما في هذا الاعتراف.
بل يتعلق الأمر بقول، يجب أن يُسمع ويُعترف به ضمن تاريخ الخلاص والوحي، وما تقوله المسيحّية أولا، ليس أن ثمّة مطلقا واحدا، بل إن الذي تجلّى في ما قام به لأجلنا في تاريخ الخلاص والوحي، هو وحدة الله، وبه وحده يمكن حقا أن يرتبط الإنسان، وله وحده يمكن أن يسلّم ذاته بذاك التسليم المطلق الذي يكون جوهر الدين، فالقول بوحدانية الله، لا يتوجّه بالتالي إلى مطلق مجرّد،
لا يُعقل مسبقا أن يوجد أصلا مطلق أخر إلى جانبه، بل إلى الإله الذي اختبرناه في الواقع في ما قام به لأجلنا، إلى إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، إله الأنبياء واله يسوع المسيح. وهكذا، فإن هذا القول، ليس مجرّد تصوّر بدائي ماورائي لا يستطيع أن ينكره إلا من لا يفقه الكلام على حتميّة وجود مطلق واحد، أو من يرى أنه يستطيع أن يفكّر على طريقة الغنوصية (الثنائية)، أو المانوية بوجود مطلق صالح ومطلق شرير جنبا إلى جنب، وهذا تناقض ما ورائي
زينيت – عدي توما
المزيد من التأملات الروحية
- الله ينتظركم لا تتهاونوا عودوا إليه الآن!
- نحن مدعوون لنكون رعاة لا بأنفسنا بل بالرب
- كيف يؤمنون بالمسيح وما سمعوا به؟
- ارجعوا للرب بالتوبة والندامة لأن الآتي سيكون فظيع
- بآلام المسيح وموته على الصليب جرى دم الغفران على البشرية جمعاء
صليب المسيح هو الكلمة التي بها رد الله على شر العالم