قصة حياة القديسة مريم العذراء أم يسوع

4.4
(33)

قصة حياة القديسة مريم العذراء أم يسوع

مقدمة

تقف في كل أجيال التاريخ في نقطة المركز من دائرته، لقد اختارتها نعمة الله لتصبح رابطة بين السماء والأرض، بين الفردوس المفقود والفـردوس المردود، وفي شخص وليدها ومن أجله، ألا نعظم الله معها، ألا نعظم الله من أجلها، ألا نشترك مع جميع الأجيال في تطويبها، فنقول مـع أليصابات: “مبـاركة أنـت فـي النسـاء ومبـاركة هـي ثمـرة بطنـك” (لوقا 42:1 ).

 

قصة حياة القديسة مريم العذراء

مريم اسم عبري معناه “مـُر”، ويحتمل أنه اسم مُشتق من كلمة “مريامون” الهيروغليفية، وفي الآراميـة فـإن اسم “مريم” يعنـي “أميرة أو سيدة”، وقد جاء هذا الاسم لأول مرة في الكتاب المقدس لمريم أخت موسى وهرون، وقـد تسمت القديسة العذراء بهذا الاسم “مريم”، الذي انتشر بعد ذلك مرتبطاً بمكانتها وشخصيتهـا.

يعود نسب القديسة العذراء مريم إلى زربابل، من عائلة وبيت داود، وهذا ما يؤكده البشير لوقا في كتابته لبشارة الملاك لها حين كلًّمهـا قائـلاً “فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسـوع، هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهـاية” (لوقا 30:1-30) .

ومن الدراسة المتأنية نجد أن البشير لوقا يؤكد هذه الحقيقية، أن العذراء مريم ووليدها يَعُودَان لسبط يهوذا، وبالتحديد بيت داود، فنراه يسجل بشارة الملاك جبرائيل لها مُبرزاً حقيقة أن المولود منها هو ابن داود، وهذا ما هو واضح في قول زكريا الكاهن “مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه، وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاهُ” ( لوقا 69،6:1 ).

نستطيع أيضاً أن نتعرف على بعض أفراد عائلتها، فنعرف أنه كان لها أخت جاء ذكرها في بشارة يوحنا عند حادثة الصلب حيث “كانت واقفات عند صليب يسوع أُمُّهُ وأخت أُمِّهِ مريم زوجة كلوبا ومريـم المجدليـة” (يوحنا 19:25). وأنها أيضاً نسيبه أليصابات (لوقا 36:1)، أم يوحنا المعمدان.

كانت الخطبة في الشريعة اليهودية عهداً أبدياً لا ينفصم، وما الزفاف إلا حفل تنتقل فيه الفتاة من بيت أبيها لبيت رجلها، ووفقاً لهذه الشريعة كانت الفتاة المخطوبة بمثابة زوجة لخطيبها، ولو مات خاطبها أثناء فترة الخطبة وقبل الزفاف تُعتبر الخطيبة أرملة خاضعة لشريعة الزواج من أخي الزوج (تثنية 25:5-10)؛ ولم يكن ممكناً للفتاة أو عائلتها أن يفُضَّا علاقة الخطوبة هذه إلا بكتاب أو وثيقة طلاق، كما أن هذه العادات أو الشريعة ما كانت لتسمح بوجود علاقة جنسية بين الخطيب وخطيبته قبل إعلان حفل الزفاف وإلا اُعتبرا في حُكم الزناة.

وفقاً لهـذه الشريعـة، كانت العذراء مريم مخطوبة لـرجل مـن بيت داود، اسمه يـوسف ( لوقا 27:1 )؛ كان يوسف رجلاً باراً، فحين عَرِفَ بأمر حبل خطيبته، لـم يشأ أن يُشِّهرَ بها، أراد تخليتها سراً، ولكن فيما هو مُتفكر في هـذه الأمـور جاءته بشارة الملاك قائلة “يـا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخـذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبل به فيه هـو من الروح القدس” ( متى 20:1 ).

لم تكن العذراء مريم، أو يوسف رجلها من العائلات الغنية، فيوسف نجار بسيط، وحين جاءت ساعة ولادتها، لم تجد غير المذود لتلد فيه، وحين أرادا أن يقدما الطفل يسوع في الهيكل حسب عادة الناموس، وعن تطهيرها حسب الشريعة، لم يحملا معهما إلا زوج يمام، أو فرخي حمام، وهي تقدمة الفقراء.

قصة حياة القديسة مريم العذراء أم يسوع
قصة حياة القديسة مريم العذراء أم يسوع

العذراء الفتاة الطاهـرة

كانت الفتاة الصغيرة العذراء مريم، تعيش في مدينة تدعى الناصرة، وهي مدينة في الجليل، لم تكن ذات أهمية، وقد كانت بلدة محتقرة، وأقل ما يقال عنها أنها بلدة شريرة ومدينة آثمة لا يمكن أن يأتي منها شيئاً صالحاً، وهذا ما قاله نثنائيل حين عَرَف أن يسوع من الناصرة فقال “أمـن الناصـرة يمكـن أن يكـون شـيء صالـح” (يوحنا 46:1). في هذا الوسط عاشت العذراء مريم، لكنها كانت كالنور الذي يشع وسط الظلام، كانت فتاة طاهرة، نقية الأخلاق، تحيا حياة القداسة، حسب دعوة الله “وتكونون لي قديسين لأني قُدُّوس أنا الرب، وقد مَيَّزتُكُم من الشعوب لتكونوا لي” (لاويين 26:20).

كانت في علاقة حية، وصحيحة مع الله. كانت تعرف الكتب المقدسة وتحفظ منها الكثير، وحين ترنمت بأنشودتها العذبة كانت تستمد كلماتها مما في ذاكراتها، وقد كانت كلمات تَغَّنت بها حنة، وترَّنم بها كاتب المزامير. إلى هذه الفتاة جاءت نعمة الله، لتدعوها لتكون أُماً للمسيح، ابن الله، الذي اشتهت الأجيال أن يُولد فيما بينها، وتمنت النساء أن يأتي منهن، ويا لها من نعمـة تلك التي تأتـي من الله لتختر إنسانـاً،

وتمنحه ما لا يستحق، فالنعمة هي أن يُمنح شخصاً شـيء لا يستحقه، وما كان للإنسان أن يدخل في علاقة صحيحة مع الله، ما لم يتدخل الله بنعمته ليصنع طريقاً من خلال تجسد ابنه يسوع المسيح فنستطيع أن نصبح أولاداً لله. جاءت شهادة الله لحياة الطهارة والنقاء التي للعذراء مريم بين جميع النساء فيما قاله الملاك جبرائيل، إذ بدأ كلامه معها “وقال سلام لك أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت في النساء” (لوقا 1: 28).

لم تتمالك أليصابات نفسها حين زارتها العذراء مريم، وامتلأت بالروح القدس “وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك، فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ، فهوذا حين صار صوت سلامـك في أذُنـيَّ ارتكـض الجنيـن بابتهـاج في بطنـي، فطوبـى للتي آمنـت أن يتـم ما قيـل لهـا مـن الـرب” (لوقا 42:1-45).

كانت حياة العذراء مريم تختلف عن كثيرات من بنات زمانها، فلم تساير أهل بلدتها، بل كانت تعيش حياة النقاء، وحياة الاتصال الدائم بالله، والشركة معه، والارتباط بكلمته المقدسة، فكانت شهادة السماء لها في شخص الملاك جبرائيل، واختيار الله لها لتكون أم المسيا، وكانت شهادة الأرض لها في شخص يوسف خطيبها فيما أراد ألا يُشَهِر بها، وشهادة قريبتها أليصابات. قصة حياة القديسة مريم العذراء أم يسوع

 

العذراء الفتاة الخاضعة

يتجلى خضوع العذراء مريم في قبولها لمشيئة الله، فهي الفتاة المخطوبة، التي لم تعرف رجلاً بعد، تأتيها بشارة الملاك لتُخبِرها بأن اختيار السماء وقع عليها، لتكون أُماً لابن الله، يسوع المسيح، وبالرغم من أن هذا الأمر كان مشتهى النساء، وقد كن يتمنين أن يحملِّن بهذا الوليد، وأن تصبح أماً للمسيا المنتظر، إلا إنهن ما توقعن أبداً أن يأتي اختيار السماء لفتاة عذراء، في بلدة بسيطة، لا يعرفها أحد، وهذا ما حدث مع العذراء مريم، فقد اختارتها نعمة الله، لتكون سبيله للتجسد وولادته بين البشر، كان الأمر صعباً، ويبدو مستحيلاً قَبُولَه، فكيف يرى الناس فتاةً مخطوبة، لم تتزوج بعد، لكنها حُبلى!

ماذا تقول لخطيبها؟ كيف يتقبل هذا الأمر مهما كانت شهامته؟ إن الشريعة اليهودية آنذاك تعتبر هذا الأمر زنا، وعقوبة الزنا هي الرجم، فكيف تفسر الأمر لمجتمعها بأن الذي حبل فيها هو من الروح القدس؟ وهل ترى يصدِّقون، أم ماذا يحدث؟ كل هذه الأسئلة كانت ستتوارد لفكر أي فتاة أخرى في موقف العذراء مريم، وقد يمكن ألا تقبل هذا الأمر، لكن ما حدث مع العذراء القديسة مريم هو أنه في كل خضوع وتسليم لمشيئة الله، وقناعة باختياره، قَبِلَت هذا الأمر، وحين سألت الملاك “كيف يكـون هذا وأنا لست أعرف رجـلاً؟” (لوقا 34:1)؛

لم يكن ليس تساؤل الخائف، أو غير المؤمن، بل كان تساؤل من يريد أن يعرف، فكيف لعذراء أن توجد حُبلى، وتلد ابناً، دون أن يَمسسها رجل، أو أن تعرف رجلاً؟. وقد أجاب الملاك جبرائيل مُعطياً تفسيراً للعذراء، قائلاً “الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظلّلُكِ فلذلك أيضاً القـدوس المولود منك يدعى ابن الله)” لوقا 35:1 )

قصة حياة القديسة مريم العذراء أم يسوع
قصة حياة القديسة مريم العذراء أم يسوع

ظهور الملاك ليوسف

وكشف ملاك الرب ليوسف خطيبها أمر الحبل المقدس حين جاءه في حُلمٍ قائلاً “يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حُبِل به فيها هو من الروح القدس فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم، وهذا كله لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعُّون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا” (متى 20:1, 23).

كان خضوع العذراء وتجاوبها مـع دعـوة الله لها، هـو الطريـق الـذي هيأ به الله جسداً لـه ليدخل منـه إلى العالـم (عبرانيين 5:10).وكما بدأ الملاك كلامه مع العذراء بالتحية، إبعاد الخوف عنها بقوله “لا تخافي. ” أنهى معها حديثه بخبرٍ مشجع، عن قريبتها أليصابات، حين أخبرها قائلاً “وهوذا أليصابات نسيبتك هي أيضاً حُبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعـوة عاقراً لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله” (لوقا 36:1, 38).

 

البشرى السارة

كـان قَبُول العذراء مريـم لـرسالة الملاك، ما يجعلها في تَميّز واضح عن سارة، المرأة المتزوجة، العاقر، حين سمعت رسالة الله بولادة ابن لها في شيخوختها، ضحكت، لأنها اعتبرت أن الوقت فات لحدوث مثل هذا الأمر تكوين 9:18-15,وزكريا الكاهن حين ظَهر له ملاك الرب، خاف واضطرب، حتى بعدما بشَّره الملاك بأن الله قد سَمِع لطلبته وسوف يُعطى ابناً، لم يُصـدِق، فكيف وهـو شيـخ، وامـرأته متقدمـة في الأيـام أن يكـون لـه ولـدٍ؟. لوقا 12:1-18

أما العذراء مريم فحين سمعت البشرى السارة، لم تَخف، ولم تضطرب، ولم تشك، بل قالت في كل خضوع وإيمان “هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك” لقد قبلت رسالة الله لها حتى وهي في ظروف بشرية مستحيلة. إن الله قادر أن يعمل المعجزات، وما نـراه مستحيـلاً علينا، لا يستحيـل عليـه، لكنه يتطلب منا أن نتجاوب مع ما يطلبه منـا لا بالضحك، أو الشك، لكن بالقبول والخضوع ليحقق أعماله العجيبة.

 

مريم الفتاة الوديعة المتواضعة – قصة حياة القديسة مريم

لقد تميَّزت القديسة العذراء مريم بالوداعة والتواضع، فحين جاءتها البشرى بمولد يسوع المسيح، ابن الله، من خلال حَبلِها المقدس، لم تتفاخر أو تتنفخ، بل بكل وداعة وتواضع قالت للملاك “هوذا أنا أَمَةُ الرب ليكن لي كقولك” (لوقا 38:1)؛ وحين قامت وذهبت لزيارة أليصابات وسمعت هتاف أليصابات مباركة إياها، قائلة” مباركة أنت في النساء، ومباركة هي ثمرة بطنك فمن لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ.

فقالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلي اتضاع أمته فهوذا منذ الآن جميـع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس” (لوقا 49:1).تأتي الوداعة حين يُدرِك الإنسان قيمته الحقيقية أمام الله، وحين يدرك أنه خاطئ لا يستحق إلا الموت كنتيجة طبيعية لخطيئته، وحينما يرى هذا الإنسان ما يجعله له الله من عطاء وسخاء وغفران، فإن الموقف الطبيعي هو الشكر والتسبيح لله على أعماله ونعمته، ورحمته، وعطاياه. قصة حياة القديسة مريم العذراء أم يسوع.

إن ما حدث مع العذراء مريم حين بشَّرها الملاك بولادة المسيا، منها لم يجعلها تتباهى فخراً، أو أن تنسب لنفسها استحقاقـاً لاختيـار الله لهـا، بـل بكـل وداعة قالت “هـوذا أنـا أمة الرب ليكـن لـي كقـولك” وحين هتفت أليصابات منشدة أنشودتهـا فـي العـذراء قائلـة “مباركـة أنت في النساء، ومباركة هي ثمرة بطنك” كان تجاوب العذراء معها هو “تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلي اتضاع أمته.”

لقد كانت العذراء مريم تُدرك أن اختيار الله لها إنما هو نعمة أسبغتها عليها رحمة القدير، وخصَّتها بها، وفي لحظات فرحها وإنشادها لم تنس إحسانـات الله لها، فترنمت لله الذي خلّصها، واختارهـا لتكـون أمـا ليسـوع، القدير الذي صنع بها عظائـم ” فقالت مريم تُعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلي اتضاع أمته، فهوذا منذ الآن جميع الأجيـالتطوبني لأن القدير صنع بي عظـائم، واسمه قـدوس، ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقـونه” (لوقا 49:1).

 

وداعة مريم

إن الوداعة هي الطريق لإعلان الإنسان عن سر ابتهاجه وفرحه الحقيقي أمام الله، فتأتي أناشيـد الشكـر، والترنـم بالتسبيـح في حضرة الله كأجلى بيان عن عظمة نعمة الله، كما أنها الطريق لربح محبة الآخرين وإقامة علاقة سليمة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وهي أسلوب حياة يدعونا السيد المسيح لنتعلَّمه منه، أسمعه يقول “.. تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم” (متى 29:11).

عرفت العذراء مريم الوداعة والتواضع فعرفت كيف تحيا في علاقة حية مع الله، وأن تعلن للآخرين حياة المحبة التي تمجد الله مريم أم يسوع هذا هو اللقب الأكثر إنتشاراً عن العذراء مريـم فـي علاقتها بالسيـد المسيـح في تجسده، وهو اللقب الذي يـذكره عنها كُتَّـاب العهـد الجديـد (يوحنا 2: 3، 19: 25-26)، (لوقا 2:48)، (مرقس 3: 31-33، 6: 3)، (أعمال 14:1).

حين تمت ولادة الصبي يسوع أصبحت العذراء مريم تُدعى “أم يسوع”، وهكـذا عَرِفَها كُتّاب البشائر، وكأم قامت بواجبها نحو ابنها، فبعدمـا ” تمت أيام تطهيرهـا حسب شريعـة موسى صعدوا به إلى أورشليم ليقـدمـوه للرب” (لوقا 2:22). وفي الهيكل تقابلا، العذراء ورجلها يوسف مع رجل اسمه سمعان، كان هذا رجلاً باراً ومشهوداً له في أورشليم،

وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب، وحين شاهد المسيح عرف أنه الابن الموعود به، وحين تعجبا يوسف ومريم حين شاهدا ما عمله سمعان الشيخ، باركهما، “وقال لمريم أمه أي أم يسوع ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم، وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيفٌ، لتعلن أفكار من قلوب كثيرة” لوقا (25:2-35).

 

الألم الذي تجتازه مريم

وفي علاقة العذراء مريم بابنها يسوع نجد تحقيقاً لهذه النبوة “وأنت أيضاً يجوز في نفسك سيف”، والكلمة المستخدمة هنا للدلالة على السيف، في أصلها اليوناني تعني السيف كبير الحجم مثل الذي كان جليـات يستخدمه، السيف الحاد الطويل، المخيف.

“يجتاز في نفسك سيف” كانت هذه نبوة عن مِقدار الألم التي سوف تجتازه العذراء، وقد جاز السيف أعماقها، فمنذ أن بشَّرها الملاك بولادة المسيح، جاز في نفسها سيف، حتى وإن عرفت سر هذا الحبل المقدس، كان عليها مواجهة خطيبها يوسف، وهي لم تعرف كيف يتقبل هذا الأمر.

وحين أراد تخلِّيتها سراً رغم ما في ذلك من عدم تشهير بها وتقديرا لها، إلا أنه موقف بالضرورة تألمت لأجله، وحين واجهت مجتمعها وهي حبلى قبل أن يتم الزفاف كعادة اليهود، بالقطع أمر كان له تأثيره عليها، وفي مطاردة هيرودس لوليدها، وتغرَّبها عن بلادها، وحين رفض اليهود رسالة ابنها لهم، رسالة الله لخلاصهم، حين كانت ترى مقاومتهم له، بل محاولة قتله وطرحه من أعلى الجبل. لوقا 4:29.

حتى أقرباؤه يتهمونه باتهامات باطلة، دون أن يعرفوه المخلص، الذي جاء لخاصته مرقس 21:3، على أن الاتهام يتجاوز حداً خطيراً، فهـا هم الفريسيون والكتبة، وهم قادة الدين، يوجهون اتهامهم له بأنه يعمل معجزاتـه ويخرج الشياطين بقـوة بعلزبـول. متى 12:24، ويصل الأمر إلى قمة ذروته، وقت الصلب حيث ترى العذراء ابنها معلقاً على خشبة الصليب، وهي واقفة تنتحب باكية لا تستطيع أن تعمل شيئاً من أجلـه. يوحنا 19 :25.

 

مريم جوهرة السماء

آه.. كم كان رهيباً ذاك السيف الذي اجتاز في نفسك أيتها العذراء وأنتِ المنعم عليها، والمباركة وسط نساء العالمين. أم الخليقة، الجالسة على العرش السماوي، مريم العذراء جوهرة السماء.

الكاتب: المرشد الروحي
المصدر: موقع مسيحي دوت كوم

 

مواضيع ذات صلة

قصة حياة القديسة مريم العذراء أم يسوع

LightBook.org

How useful was this post?

Click on a star to rate it!

Average rating 4.4 / 5. Vote count: 33

No votes so far! Be the first to rate this post.

Related Articles

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker